تم رفع منع التجول وعادت الحياة إلى سابق عهدها على الأقل سطحياً، وأصبح بإمكان الجميع ممارسة حياتهم الطبيعية باستثناء اتخاذ بعض التدابير الوقائية مثل لبس الأقنعة والتعقيم، فهل عادت الحياة فعلياً إلى طبيعتها؟ هل عاد الناس إلى ممارسة أنشطتهم كما في السابق وهل أثرت فترة الحجر الصحي على المجتمع كمجموعات وأفراد؟ ماذا عن وجود قلق بالإصابة بعدوى الكورونا وهل هناك موجة جديدة محتملة من الإصابات بالكورونا؟ الجواب على كل تلك الأسئلة يختلف من شخص لآخر ومن مجتمع إلى آخر بل ويختلف بناء على ثقافة المجتمع، وكيف مرت الفترة السابقة أثناء الحجر الصحي. الكثير منا تنفس الصعداء عند انتهاء فترة الحجر الصحي، ولكن هل تأقلمنا فعلياً على التغييرات نفسياً واجتماعياً على افتراض أننا لا نعاني من أي أمراض نفسية أو قلق. كيف تمكن الكثير منا ممن يعانون من القلق والتوتر من اجتياز الفترة السابقة؟ الجواب هو أن غالبية الناس عانوا من صعوبات في البداية ومروا بفترة الحجر الصحي وحتى رفعه. كثير منا استقطع من وقت للتفكير في الفترة السابقة وقد وصل إلى إدراك أن الفترة السابقة كانت سبباً للقلق والتوتر لعدة أسباب منها التغييرات الكبيرة في حياتنا والخوف من المرض وأسباب أخرى اجتماعية مختلفة.
المحظوظون هم من كانت لديهم مهارات التأقلم مع المتغيرات والضغوط النفسية للتغلب على هذه الأعراض، ولكن هناك شريحة من المجتمع المعرضين فطرياً للإصابة بالقلق بدرجة عالية أو يعانون فعلياً من القلق ويتلقون علاجاً له تقدر بحوالي 25% بحسب الدراسات النفسية. أعراض القلق ازدادت شدتها أثناء فترة كورونا الماضية في غياب الدعم من الأسرة أوالأصدقاء أو المعالجين بسبب التباعد الاجتماعي ولأن كثيراً من المستشفيات ركزت قدراتها على علاج الأمراض المتعلقة بالكورونا بعيداً عن علاج المرضى النفسيين والمصابين باضطرابات القلق .أضف إلى ذلك ضعف مهارات التأقلم لدى مرضى القلق والتوتر كما أن المتابعة اليومية لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي تنقل بشكل مكثف أنباء عن الإصابات بعدوى الكورونا والوفيات، وفي هذا السياق يجب الإشادة بما تقوم به وزارة الصحة من جهود جبارة في التوعية وتوفير مصادر موثوقة للمعلومات. شدة أعراض القلق قد تظهر في شكل أرق وزيادة في التفكير وحتى بعض الأعراض الجسدية مثل زيادة ضربات القلب وضيق في التنفس وتوتر في العضلات والقولون العصبي إلى آخر ذلك من الأعراض النفسية والجسدية للقلق. هناك الكثير من أنواع العلاج النفسي والدوائي والذي يوصف للمرضى وفي بعض الأحيان يصف الأطباء لفترات قصيرة المهدئات لمساعدة مرضانا على المرور بهذه الفترة الصعبة. العلاج النفسي يشمل العلاج السلوكي المعرفي، وأنا أنصح بهذا العلاج للجميع لأنه يساعد على اكتساب مهارات تفيدنا مدى الحياة للتعامل مع الضغوط والأزمات. وهناك مهارات أخرى بسيطة وصحية تساعدنا على التأقلم مثل استقطاع فترة من يومنا للاسترخاء ومحاولة تنقية الذهن في خلوة بعيداً عن تلك المشاكل ولو لفترة قصيرة ويشمل ذلك رياضة اليوجا. الرياضة البدنية بشكل يومي لفترة نصف ساعة لها دور كبير في تقليل القلق والتوتر. ولا ننسى العبادات بشتى أنواعها والتي تساهم في طمأنينة الروح كما أنصح بتجنب المنبهات قدر المستطاع في هذه الفترة وبالنسبة لأطفالنا أوجه نصيحة إلى الوالدين بمراقبة أطفالكم والتأكد من خلو الألعاب الإلكترونية من العنف والمواد غير اللائقة.
وأخيراً أنصح كل من يعاني من اضطرابات القلق الشديدة باستشارة الطبيب النفسي لأن العلاج متوفر وفعال وقانا الله وإياكم من كل شر.
** **
- د. أحمد محمد الألمعي