كانت حياتنا الاجتماعية قبل جائحة كورونا تفتقد للتنظيم الأسري سواء في تواصلنا مع الأقارب وتفقد أحوال الجيران والحرص على تناول طعامنا من صنع بيوتنا بدلاً من أكل المطاعم التي تفتقد في معظمها لمعايير الصحة والسلامة. واجتماعنا مع أبنائنا على مائدة واحدة أيام الحظر الجزئي، بل كانت سمة التباهي والتفاخر الاستهلاكي مسيطرة على واقع حياة بعض الأسر وكانوا يتباهون في المناسبات والأفراح ويتسابقون على من هو الأفضل دون احترام لمشاعر الأقارب بالذات عندما تعرض كل صغيرة وكبيرة على مواقع السناب شات أو الاستغرام وغيرها من المواقع الإلكترونية بلغة التفاخر والتباهي وكأنهم يعيشون في العصر العباسي من البذخ والتباهي.!!!
وبعد أن طل كورونا الجديد برأسه على كل بلدان العالم بما فيها مجتمعنا السعودي وما قدمته الدولة - رعاها الله - من الغالي والنفيس بالمحافظة على الأمن الصحي بالمجتمع بتوعية الناس بكل صغيرة وكبيرة وحتى وصل الأمر بأمر جلوسهم في البيت مع توفير كافة الخدمات اللازمة والضرورية من أمن غذائي وأمن صحي إلى جانب صرف رواتب الموظفين للقطاعين العام والخاص كاملة حتى يتم حصر هذا المرض لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر في ظل ومتابعة حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله ورعاه- وسمو ولي عهد الأمين: صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان- حفظه الله ورعاه-، بكل ما هو خير وسلام وأمن واستقرار.
ولعل هذه الجائحة وتحدياتها الوبائية جاءت لتعيد لنا ترتيب أمور كثيرة في واقعنا الاجتماعي.. أسرياً واقتصادياً وتربوياً واجتماعياً وصحياً فضلاً عن ارتفاع مؤشر الوعي المجتمعي في التعاطي مع أحداث فيروس كورونا الجديد بصورة إيجابية فقد لاحظنا حرص معظم الناس على اتباع التعليمات الوقائية وتطبيق الإجراءات الاحترازية من غسل وتعقيم اليدين ولبس للكمامة وتطبيق التباعد الاجتماعي على الأقل من متر ونصف إلى مترين، لسلامة الفرد وسلامة غيره، والحرص على البعد عن الأماكن التي فيها ازدحام وتجمهر بالذات في المحلات التجارية والمطاعم وغيرها من المتاجر التي يرتادها كثير من الناس.
والأكيد أن الأزمات والمحن مهما كانت مأساوية ومزعجه تحمل جوانب إيجابية فقد نجح كورونا في عودة روح التآلف والتلاحم بين أفراد الأسر السعودية والتي (بعضها) كانت تعيش حالة من (اللا توازن) بسبب شدة رياح التغيرات الاجتماعية والتحولات الاقتصادية والتحديات الثقافية خاصة مع بروز وظهور شبكات التواصل الاجتماعية التي تسببت في رفع سقف العزلة الاجتماعية والتباعد الأسري الأمر الذي ساهم في غياب روح التلاحم الأسري والتضامن المنزلي وتأصيل مبدأ الترابط والتقارب بين أفراد الأسرة، ولذلك ساعدت هذه الجائحة على إعادة روح التلاحم وقيم الترابط بين أفراد الأسرة من جديد، ولم الشمل فأصبحت الأسر بمنازلها في وقت واحد.. وسط أجواء اجتماعية صحية كادت أن تندثر..!! تغمرها المشاعر الإيجابية من خلال إعادة ترتيب الجوانب (التربوية والحقوقية والحوارية والقيمية) في بيئتهم الحقيقية وليست الافتراضية بين الأبناء والوالدين داخل البناء الأسري بعد أن فقدت الأسرة الكثير من المعاني وقيمها السامية التي كانت تجتمع حولها.
** **
- خالد بن ناصر الدريهم