د. عبدالحق عزوزي
أعلنت الحكومة الإيطالية منذ أيام أن ما مجموعه 8988 مهاجرًا وصلوا إلى البلدة حتى الآن هذا العام، مقارنة بـ3165 للفترة نفسها عام 2019. ويصل العدد الأكبر من المهاجرين من تونس، بحيث ترسو القوارب من دون مساعدة من خفر السواحل الإيطاليين أو المنظمات الخيرية. وأظهرت البيانات أن غالبية المهاجرين من تونس، يليهم وافدون من بنغلادش وساحل العاج والجزائر والسودان. وبمعنى آخر فقد زاد عدد الوافدين حتى الآن هذا العام بواقع ثلاثة أضعاف مقارنة بالعام الماضي. وتؤكد روما أنها لا تستطيع التعاطي مع هذه الأعداد من دون مساعدة من دول أوروبية أخرى، وهو ما يرهق التعاون الأوروبي في هذا المجال. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهناك تخوف في كل الدول الأوروبية من وجود خطر حقيقي لظهور موجة ثانية من وباء «كوفيد- 19»؛ فقد حذرت ألمانيا منذ أيام من هذا الخطر عند عودة السياح من عطلهم في أوروبا، ولا سيما إسبانيا. ودعا وزير الصحة مواطنيه الذين يمضون عطلة في جزر الباليار الإسبانية إلى احترام تدابير الوقاية بعدما كشفت مشاهد فيديو عشرات السياح الألمان يحتفلون بصخب في شوارع مايوركا من دون وضع كمامات ولا احترام للتباعد الاجتماعي.
فمشكلتا الهجرة ووباء كوفيد أصبحتا من المشاكل المستعصية التي تعاني منه المجموعة الأوروبية؛ وهما جزء من المشكل الأكبر المتمثل في الأزمة والركود الاقتصاديين؛ فقد بات الأوروبيون قلقين، متخوفين على مستقبلهم ووظائفهم ومداخيلهم. والأدهى من ذلك أن المفوضية الأوروبية قد أعلنت منذ أيام أنها تتوقع تراجع إجمال الناتج الداخلي في منطقة اليورو بنسبة أسوأ مما كان متوقعًا في مطلع مايو/أيار، إذ قالت إنه سيتراجع بنسبة 8.7 % في العام الجاري قبل أن يتحسن في 2021 بنسبة +6.1 %؛ والتداعيات الاقتصادية للعزل أفدح مما توقعته المفوضية في البداية؛ إذ لا يزال الأوروبيون يواجهون مخاطر عديدة بينها موجة ثانية من الإصابات ب»كوفيد- 19».
وهناك ثلاث دول متضررة بشكل خاص من الركود هي إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، مع تراجع إجمالي الناتج الداخلي بأكثر من 10 في المائة في 2020. وستشهد إيطاليا تراجع إجمالي الناتج الداخلي لديها بنسبة 11.2 % في 2020 قبل أن يتحسن في 2021 (+6.1%)، فيما سيتراجع في إسبانيا بنسبة 10.9 % في 2020 ثم يتحسن في السنة التالية ليصل إلى +7.1 %. أما في فرنسا فيمكن أن يتراجع بنسبة 10.6 % هذه السنة ثم ينتعش ليصل إلى 7.6 % العام التالي. في المقابل كانت ألمانيا بين الدول التي حدت من الخسائر، إلى جانب لوكسمبورغ ومالطا وفنلندا، مع تراجع إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 6.3 % هذه السنة وانتعاش بنسبة 5.3 % في 2021.
أما في بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي، فقد تراجع إجمالي الناتج المحلي في المملكة بأكثر من 25 % في آذار/مارس ونيسان/أبريل، ويتوقع صندوق النقد الدولي انكماشاً بنسبة 10.2 % للاقتصاد هذا العام. وفي دراسة نُشرت مؤخرًا، يتوقع مركز الاقتصاد وبحوث الأعمال (سي أي بي آر) تراجعاً أكبر لإجمالي الناتج المحلي بنسبة 11 % ويعتبر أن الاقتصاد البريطاني لن يعود إلى مستوياته قبل الوباء، قبل العام 2024، حتى لو لم تحصل موجة إصابات جديدة بـ»كوفيد- 19» التي قد تُرغم السلطات على فرض عزل جديد.
وفي هذا الصدد انتُخب وزير المالية الإيرلندي باسكال دونوهي (يمين-وسط) منذ أيام رئيسًا لمجموعة اليورو (يوروغروب (في هاته الأزمة الأوروبية الخانقة. وفاز دونوهي بالرئاسة في جولة التصويت الثانية التي واجه فيها الإسبانية ناديا كالفينو وزيرة المالية في الحكومة الإسبانية اليسارية التي كانت تحظى بدعم فرنسا وألمانيا. ولمكانة رئيس مجموعة اليورو الذي ينتخب لولاية مدتها سنتان ونصف السنة وزن كبير في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل إلى جانب رؤساء المؤسسات الثلاث الكبرى للتكتل، أورسولا فون دير لاين (المفوضية الأوروبية) وشارل ميشال (المجلس الأوروبي) وديفيد ساسولي (البرلمان)، ووزير الخارجية جوزب بوريل.
ويقوم رئيس اليوروغروب بدور لا يحسد عليه في الاتحاد الأوروبي، إذ هو الذي يترأس الاجتماعات الشهرية للوزراء والتي تسعى إلى ضمان تنسيق السياسات الاقتصادية الوطنية. ونحن نتذكر أن هاته المهمة ليست بالسهلة، وعايناها خلال الأزمات التي شهدتها بعض دول الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة وبخاصة في اليونان.
وفي ظل تداعيات جائحة «كوفيد- 19» تبدو مهمة دونوهي صعبة وستصبح أعقد إذا ظهرت موجة ثانية من الوباء في الأشهر المقبلة.