أ.د.عثمان بن صالح العامر
من السجايا الطيبة، والأخلاق النبيلة، التي يمدح به الرجال ويتمايزون في ميزان الله أولاً ثم أنهم يتفاضلون ثانياً بين بعضهم البعض في هذه الحياة الدنيا (البر بالوالدين خاصة الأم)، ولذا فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حريصاً على أن يظفر بأويس التابعي المعروف ليستغفر له بعد أن سمع رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (يَأْتِي علَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُو بِها بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّه لأَبَرّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ). رواه مسلم.
والقارئ في صفحات التاريخ، المطلع في هذا الباب على وجه الخصوص لن يعدم أن يجد نماذج خالدة، عرفت بشدة برها بوالديها، وقد يظن أن مثل هذه النماذج لا وجود لها اليوم لقلة من يكتب عنها باعتبارها قضية شخصية خاصة ومسائل عائلية صرفة وذكرها لن يضيف جديداً في منظومة قيمنا الاجتماعية.
ولأنني اختلف مع من ذهب إلى هذا القول وأرى أهمية الكتابة في مثل هذه المواضيع ذات البعد الديني - الاجتماعي - الأخلاقي؛ فإنني أسوق في مقال اليوم بكل فخر وإعزاز طرفاً من صنيع سعادة الأستاذ: عواد بن جزاع الرضيمان، رجل الأعمال البار الخير، الذي أحبه الله فأنزل حبه في قلب كل من عرفه، سجله مليء بكل فعل طيب لا حصر له ولا عد؛ وفي كل المجالات؛ وعلى جميع الأصعدة. من بين أفعاله التي شاء الله أن يكون فيها أنموذجاً ومثالاً لكل من عرفه (بره بأمه) رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته.
ومن باب المثال لا الحصر فقد اختار (أبو تركي) والدته حسناء عواد الرضيمان لقص شريط افتتاح شركته (آبار) المعروفة مطلع شهر جمادى الأول عام 1434هـ وخاطبها في ثنايا كلمته بهذه المناسبة قائلاً: «أمي الحنون، نسعد جميعاً بتشريفك وحضورك، وهو وسام على صدورنا، فقد كنتِ وما زلت مدرسة ناجحة، تعلّمنا منك الصبر والصدق والأمانة، وتعلّمنا منك مخافة الله في السر والعلن، وتعلّمنا منك أن مع العسر يسرا، كانت دعواتك المباركة ملاذاً آمناً لنا، حققنا بها آمالنا وتجاوزنا بها كل الحسابات».. وختم هذه الكلمات بقوله «شكراً لك ِحسناء بنت عواد الرضيمان».
كان هذا المشروع المبارك (مياه آبار حائل) وما زال وسيظل -بإذن الله - مصدر رزق ثر، ومنبع خير بر، وباب أجر وثواب لا ينقطع.
لم يقف البر في قاموس هذا الإنسان الأنموذج عند هذا الصنيع، بل عرف عنه الكثير من القصص والحكايات التي تنم عن استشعار عظيم لمعنى البر بالأم وأثره في الدارين. كما أنه في ذات الوقت أدرك بثاقب بصيرته وعميق إيمانه وصفاء عقيدته ويقظة إحساسه أن حبل البر لا يقطع ولا يمكن أن ينتهي برحيل الأم عن هذه الدار، بل يظل باقياً حتى بعد الوفاة ولذا كان منه المبادرة الخيِّرة المباركة توقيع اتفاقية إنشاء (مركز حسناء الرضيمان لغسيل الكلى بمستشفى الشنان العام) التابع لصحة حائل، وذلك على نفقته الشخصية جزاه الله خيراً، والتي شرفت برعاية كريمة من لدن صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعد بن عبد العزيز أمير المنطقة وحضور صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن مقرن نائب أمير المنطقة ووقَّعها عن الجانب الصحي سعادة مدير الشؤون الصحية بالمنطقة الدكتور حمود الشمري.
رحم الله هذه الأم العظيمة التي أنجبت وربت أمثال هذا الرجل الفذ وأسكنها فسيح جناته، وجعل ما يقدِّم الأخ عواد وأمثاله من الخيِّرين المباركين في ميزان حسناتهم، ورزقنا وإياكم جميعاً بر أمهاتنا وآبائنا، وتقبلوا جميعاً صادق الود، وإلى لقاء، والسلام.