إيمان حمود الشمري
لم تكن السياحة السعودية يومًا شيئًا مذكورًا، ولم تكن أساسًا ضمن قائمة الدول السياحية رغم توافر كل الإمكانيات التي تؤهلها وتجعلها في مصاف الدول السياحية؛ إذ تشكل السياحة في الكثير من الدول مصدرًا اقتصاديًّا مهمًّا.. فما بالك أننا لا نملك عوامل جذب فقط، وإنما نملك عوامل قوة أيضًا؛ كوننا مركزًا دينيًّا جاذبًا لملايين الناس. ومنذ أن فتحت المملكة العربية السعودية باب السياحة أصدرت أكثر من سبعة وسبعين ألف تأشيرة خلال ثلاثة وثلاثين يومًا. وإضافة إلى ذلك فإنه خلال جائحة كورونا أكد وزير السياحة معالي الأستاذ أحمد الخطيب في تصريح صحفي له أن 80 % من المواطنين يرغبون في السياحة الداخلية.
هذا البلد الذي يحمل تاريخًا عريقًا يستحق الاحتفاء والتقدير. وهذه الطبيعة الساحرة التي تضاهي دول أوروبا بمسطحاتها الخضراء، وطقسها الاستثنائي، لماذا كانت خارج لعبة الأضواء؟
لم نكن نعرف شيئًا عن السياحة الداخلية سوى بحر جدة وبحر الشرقية! ما نراه الآن سبّب لنا صدمة، وكأننا أفقنا من التخدير عقب عملية جراحية تجميلية؛ لنشاهد نتائج العملية، وكأننا نتعرف على أنفسنا للمرة الأولى! سنوات ونحن خلف الأضواء غائبين عن الوعي الكافي بالسياحة الداخلية. نحن لم نكن غائبين عن السياحة فحسب، وإنما كنا غائبين عن تاريخنا ومجدنا!
ابتداء من الدرعية، تلك المدينة التاريخية التي كلما مررت بها أتوجع؛ كيف كانت هذه الجوهرة مهملة وهي تحمل تاريخ الدولة السعودية الأولى؛ كونها عاصمتها، والمحافظة الأولى فيها، على أرضها سالت دماء، وخلف أسوارها اختبأ مئات المقاتلين، وفي سطور تاريخها حصار وانتصار، ونحن لا نعرف إلا القليل عنها، بينما لدينا مخزون من المعلومات عن معالم الدول الأخرى، وانتهاء بأسماء مدن لم نسمع بها من قبل، ومهرجانات أُقيمت بمواقع نجهلها، تحمل الكثير من المعلومات القيمة التي لم تكن لتصلنا لولا تسليط الضوء عليها. ولم يكن يعرف العلا سوى أهلها، ولم نكن نعلم أن طنطورة هي مزولة شمسية على شكل هرمي، استُخدمت منذ مئات السنين كمؤشر لدخول موسم الزراعة، ولولا أنها حملت اسم مهرجان (شتاء طنطورة) لبقينا نجهلها. إضافة إلى المشاريع الضخمة التي تستغل مواقع حيوية من جانب سياحي وترفيهي واقتصادي، مثل مشروع مدينة نيوم الأضخم الذي يعني ترجمة حروفه إلى (مستقبل جديد)، ومشروع القدية، ومدائن صالح التاريخية، ومرتفعات الجنوب الخضراء التي لم تكن لتبرز لولا جهود صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، الذي كانت له مبادرات كثيرة واهتمام واضح وحماس في تنشيط السياحة الداخلية تحت شعار (إلا أنا أبهى)، و(لا عسير في عسير)، ونقل تجربته حتى بعد أن تولى إمارة مكة؛ لأنه يؤمن بأن السياحة هي مفتاح التنمية. وغيرها الكثير والكثير من المواقع السياحية الجاذبة التي تعرضت لإهمال واضح، ولولا هذا الاهتمام والانتباه لها لكانت مجرد تاريخ منسي، وإرث مهدور، وطبيعة مهملة، ومصدر رزق غير مستغل.
كانت المملكة أشبه بمستودع ضخم، جُمعت فيه مقتنيات ثمينة، وأُغلق عليها دون أن يكترث أحد لهذا المخزون المهدر. وجاءت رؤية ولي العهد 2030 التي تحرص على تنويع مصادر الدخل؛ لتنفض الغبار عن هذا الكنز الذي يحمل الماضي في قطار زمني سريع؛ لينقله للحاضر، ويحمل معه الكثير من الثراء للمستقبل.