وفاء سعيد الأحمري
الثلاثون من يوليو هو يوم الصداقة العالمي من كل عام. وعندما نعود لأصل هذه الأيام العالمية وأهدافها والغرض من إحيائها وتذكرها نجد أن كلها تمثل قضايا عامة مجتمعية مهمة مصنفة من منظمة الأمم المتحدة. فهناك أيام دولية تحدد من قبلهم ومن الدول الأعضاء ويتم اختيار هذه الأيام على أسس تخدم القضايا العامة التي تدعمها المنظمة بما يخص مثلاً نشر السلام والتنمية المستدامة وحماية حقوق الإنسان ودعم العمل الإنساني. مثل هذه الأيام يوم الصداقة العالمي ويوم السعادة ويوم المرأة ويوم الأب وإلى آخره من هذه الأيام ذات القيم العالية التي تلقي الضوء على قضايا مهمة. فقد أقرت منظمة الأمم المتحدة في عام 2011 وأعلنت أن يوم 30 تموز - يوليو يوم دولي للصّداقة.
بالتالي هذه الأيام ليست أيام صدفة أو أنه ليس لها أساس بل إن المنظمة تشجع الإعلام والدول الأعضاء إلى إلقاء الضوء على هذه الأيام والتوعية بقيمتها على مستوى الشعوب والأفراد. سأتحدث عن قيمة الصداقة في حياة الفرد في هذه الزاوية. فالصداقة كقيمة تعد أساسية في حياة كل إنسان وإلا لما اختارته منظمة الأمم المتحدة من القضايا التي تتبناها. الأصدقاء وجودهم من ضروريات الحياة الاجتماعية المتزنة حسب تصنيف هرم ماسلو لاحتياجات الإنسان حيث بدأ بالاحتياجات الفسيولوجية من الأكل والشرب والمسكن ثم حاجات الأمان من أمن وظيفي وسلامة ثم في المرتبة الثالثة ذكر احتياجيات الإنسان الاجتماعية وتشمل هذه الاحتياجات الصداقة والعلاقات الأسرية وفي بقية المراتب ذكر الحاجة إلى التقدير والحاجة إلى تحقيق الذات. بالتالي الصداقة هي احتياج ضروري لاتزان الحياة الاجتماعية فلم يكتف ماسلو بذكر العلاقات الأسرية مثلاً قد تألف صديقًا أكثر من أخ أو قريب وقيل في ذلك:
كم من أخٍ لكَ لم يلدْهُ أبوكا
وأخٍ أبوه أبوكَ قد يَجْفوكا
صافِ الكرامَ إِذا أرْدتَ إِخاءَهُم
واعلمْ بأن أخا الحفاظِ أخوكا
كم إخوة لكَ لم يلدْكَ أبوهُم
وكأنما آباؤُهم ولدوكا
لو كنتَ تحملهمْ على مكروهةٍ
تخشى الختوفَ بها لما خَذَلوكا
مبدأ التوافق الروحي والفكري أيضًا مهم في الصداقات الناجحة. ولطالما كنت أردد وأحرف الشطر الأخير من البيت القائل ليس الغريب غريب الشام واليمن أن الغريب «غريب الروح والفكر». فمن أهم محاور الصداقة الألفة الروحية والفكرية مع الأصدقاء. هناك من الأصدقاء من تقضي معهم هواية مشتركة وهناك من تألفه لأجل روح السعادة والبهجة التي يملكها والآخر قد تتبادل معه بعض المنافع فالمشترك هنا نجده عادة الألفة الروحية والسمات الحسنة والسلوكيات الصحية بين الأطراف هي القاسم المشترك بين أنواع الصداقات التي ذكرت. ومن السلوكيات الصحية مثلاً الأخذ والعطاء ولكن ليس بمفهوم المصلحة. بل بمفهوم الوقت الذي تعطيه المشاعر المتبادلة من وفاء وتقدير وإخلاص وتواصل. كلها أمور تستلزم أخذًا وعطاءً متبادلاً لإنجاح مشروع الصداقة. ويستلزم التواصل والوقوف والمساندة في الشدائد والمشاركة في الأفراح والأتراح. فالصداقة استثمار ناجح ومشروع جميل إذا اتقنت اختيار أعضائه تعيش بسعادة وبهجة قد لا تجدها من أقرب الناس إليك بيولوجيا. بل إن من الأصدقاء من تألفه روحك وتقضي معه ساعة وتبهج نفسك وينعكس ذلك حتى على صحتك وحماسك للحياة، لذلك ذكرت أن الألفة الروحية دائمًا مهمة في الصداقات لأنها كأكسجين للروح تنعشها وتسعدها. فالأرواح جنود مجندة تتألف وتتنافر بطريقة محيرة لكنها صادقة فهي تعكس الشيء غير المرئي. فعندما تألف إنسانًا أو تبغضه من دون سبب غالبًا لها أسباب داخلية حدسية غير مرئية وتؤخذ بالاعتبار. فالأرواح مرآة النوايا لا تكذب أبدًا هي انعكاس صحيح لما في الداخل. أيضًا الصداقة من أهم مقومات النجاح والاستقرار النفسي وتدخل في بند إيجاد بيئات داعمة ومن أهم هذه البيئات الداعمة إيجاد أصدقاء أوفياء داعمين محبين. اختصرت هذه الأبيات العديد من صفات الصديق الداعم:
صديقك من يغار إذا زللت
ويغلظ في الكلام متى أسأت
يسر إذا اتصفت بكل خير
ويغضب أن نقصت أو انتقصت
ومن لا يكترث بك لا يبالي
أحدت عن الصواب أو اعتدلت
أختم بامتناني لكل الصداقات الداعمة الوفية في مشروع حياتي على هذه التجربة الأرضية وقبل مغادرتك هذا الكوكب احرص أن تجد صداقات داعمة وإن وجدتها قدرها واحترمها وامتن لوجودهم في حياتك وافعل شيئًا لأجلهم.