عبدالعزيز السماري
تحمل وزارة الصحة على عاتقها مسؤوليات كبرى، فالمملكة أشبه بقارة مترامية الأطرف، ومن خبرتنا الطويلة أثبتت الإدارة المركزية فشلها في التطوير، وليس لعدم الكفاءة، ولكن لصعوبة أن تدير مديريات صحية للمناطق، قد تختلف تحدياتها الصحية من منطقة إلى أخرى، وهو ما قد يعيد السؤال الأكثر تداولاً في مجال عناية الصحة أيهما أكثر جدوى: المركزية في الإدارة أو اللا مركزية.
قد يصعب الإشراف على منظومة صحية عملاقة عندما يكون الهرم الإداري متضخم ويتفرع إلى طبقات لا حصر لها، وهو ما يجري الآن، فالتنظيم الإداري يتكون من شرائح متعددة من الإدارة مما يجعل من الطبقات العاملة الأقل تأثيراً، وقد تصعب مراقبة أدائهم، وتحسين إنتاجهم، وهو ما يعني وجود غابة من الإداريين المتنفذين، وشلل نوعي في الأطراف.
بينما لو تم التعامل مع المناطق كوحدات مستقلة نوعاً في إدارة إستراتيجيتها الصحية ومرافقها، ثم مراقبتها من خلال أنظمة الجودة لربما اتضحت الصورة عند تقييم الأداء، ويتعين تأسيس نظام بيانات لكل منطقة، ومتصل بالوزارة، ويكون دور الوزارة إستراتيجي، والعناية بالأوبئة والوقاية، وتقوم إدارات المناطق بوظيفتها المناطقية في الإشراف على العناية الصحية مباشرة.
التضخم الإداري مشكلة بكل ما تعنيه الكلمة، فالممارس الصحي يقبع تحت رؤوس إدارية متعددة، ولها سلطات تنفيذية متشعبة، وهو ما يجعل منه كبش الفداء في أي تقصير، بينما لا تلبي الإدارة المتضخمة متطلبات العناية الصحية النموذجية، وقد تتضح الصورة لو قمنا بإحصاء نسبة الإداريين للممارسين الصحيين في المستشفيات والوزارة.
تحتاج العناية الصحية إلى إستراتيجية وعقول، فالفكر الإداري يجب أن يكون أقل تضخماً، وأبسط تنظيمياً، وفي حال تفويض المديريات المناطقية بالإشراف على المستشفيات ستقل أعداد الإداريين، ويكون العمل له رصد آلي، ويتم تقييم الأداء من خلال الأرقام التي لا تكذب أبداً..
كذلك من المهم ألا تكون الإدارة تتحكم بجميع القرارات، ولكن بإعطاء مساحة للمناطق بالعمل لتطوير أنظمتها الصحية، وسنعرف بمرور الأيام أيهم نجح، أو أيهم فشل في أداء المهمة، كذلك أن تكون الإدارة بيد متخصصين، وليس أطباء فقط، فالطبيب يجب أن يكون في العيادة أو غرفة العمليات، وذلك لئلا نهدر طاقات منتجة في مجال تخصصها.
من الأسباب الرئيسة أيضاً لهذا الطرح أن المناطق تختلف مشاكلها الصحية من مكان إلى آخر، فالملاريا تنتشر في مناطق عن أخرى، وأمراض الدرن تزداد في مناطق، وتقل في أخريات، كذلك الأمراض المزمنة، وحوادث السيارات، والبلهارسيا، وهو ما يعني أن كل منطقة يكون لها إستراتيجية صحية مختلف نوعاً ما عن الأخرى..
عقود الرعاية والأدوية يجب أن تكون تحت مظلات أخرى من أجل تقليل فرص الفساد الإداري، وقد نتعلم من تجارب دول مثل شمال أوروبا وكندا كيفية أن يكون النظام الصحي قائمًا على أداء الممارس الصحي.