في ظل تحوُّل بلاد العرب لساحة صراع دموي إقليمي ودولي على المصالح، ومع استمرار الصراعات العربية/ العربية وغياب المشروع القومي العربي أو الحد الأدنى من التنسيق بين الدول العربية، فإن دول الجوار غير العربية والطامعين وكل أصحاب المشاريع الأخرى سيستمرون في الدفاع عن مصالحهم وانتهاك سيادة الدول العربية ما دام القتال يدور على أرض العرب وبأموال العرب وبأرواح العرب.
بمناسبة تداعيات الاتفاق بين السراج وأردوغان يجب الإشارة إلى بعض النقاط المهمة:
- عدم شرعية وقانونية الاتفاق المبرم بين تركيا والوفاق الليبي، حيث خالف بنود الاتفاق السياسي بالصخيرات بمادته الثامنة، والتي تنص صراحة على أن يتم اعتماد المعاهدات الدولية ومصادقتها من مجلس النواب الليبي. وبهذا منح من لا يملك من لا يستحق.
- تأزم الحالة العامة من النواحي العسكرية والأمنية لليبيا، حيث منح الاتفاق هيكلا شبه قانوني للتدخل في السيادة الليبية في ظل الانقسام والتشظي.
- منح الاتفاق ممراً آمناً لدخول المعدات والأسلحة والذخائر والمرتزقة.
- يدفع الاتفاق الأزمة الليبية لمنعطفات خطرة ومنها حرب أهلية، ويفتح سيناريوهات حرب الهلال النفطي، مما سيؤثر في مستقبل وأمن الطاقة.
هذه الصورة البائسة تكشف بجلاء حال طرابلس الآن، بعد أن خضعت لمساومات التنظيم الإرهابي، الذي وضع أمنها ووحدتها مقابل الحكم، ودماء أبنائها مقابل النفط، وسيادتها مقابل المخصصات المالية.
ها هو العدوان التركي يستبيح غرب ليبيا، بغطاء من الناتو وأساطيله المتوسطية، وبرعاية المخابرات البريطانية، وقبلها استباحته لسوريا والعراق، ومحاولة تحويل غزة إلى ولاية عثمانية.
إذ ما زال المهووس أردوغان الذي يعتبر نفسه وريث الإمبراطورية العثمانية المتهالكة، أردوغان لديه أطماعه التوسعية، وإعادة حلم إمبراطوريته الزائلة على حساب دماء الليبيين والعرب، يستغل بكل جهد ورقة «الإسلام السياسي» لتحقيق أهدافه التوسعية في المنطقة، والمليشيات والجماعات المتشددة كالإخوان والقاعدة وداعش، كورقة في يده يضغط بها على جهات ودول مختلفة لتحقيق أهدافه، مثلما يحدث في تونس وليبيا من خلال تنظيم الإخوان المتمثل في الغنوشي والسراج.
فبعد أن توصل الأطراف الدولية التي شاركت في مؤتمر برلين بشأن ليبيا، من بينهم تركيا، إلى اتفاق على احترام حظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكشر عن وجهه القبيح وأجندته الخبيثة وأطماعه ليخرق التزاماته الدولية، بإرساله المزيد من المرتزقة إلى الأراضي الليبية، على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، ذلك بعد أقل من 48 ساعة على مؤتمر برلين.
أردوغان الإرهابي يستغل في تحركاتها العسكرية في المنطقة وضعها ضمن حلف الشمال الأطلسي (NATO)، ويقوم بخرق تعهداته وانتهاك نتائج مؤتمر برلين حول ليبيا، من خلال إرسال مرتزقته وسفن حربية لدعم ميليشيات حكومة الوفاق التي يرأسها فائز السراج، وهو ما يزيد من تأجيج الصراع بين الأطراف الليبية المتحاربة، ويطيل أمد الصراع.
نتيجة ذلك مُزقت ليبيا الغنية بالنفط بسبب الصراع وتدخل الإرهابي أردوغان ومليشياته، الذي اجتذب ميليشيات قبلية وجهاديين ومرتزقة، منذ الإطاحة بمعمر القذافي وقتله عام 2011، في انتفاضة شعبية.
بعد قيام الطيران التركي باستهداف مخيمات للاجئين قرب مخمور وقضاء سنجار والمناطق القريبة منه في إطار عملية مخلب النسر وعملية مخلب النمر البرية العسكرية المدعومة من قوات الكوماندوز التركية تؤازرهم مروحيات قتالية وطائرات مسيّرة, قصفت الجارة السيئة إيران القرى التابعة لبلدة حاج عمران تحت غطاء الجوي التركي، وأسفر القصف عن إصابة مزارعين وإلحاق أضرار مادية كبيرة بممتلكات القرويين الأبرياء وحرق مساحات واسعة من المزارع والمراعي المحيطة بالقرى الحدودية المغدورة.
فتدخل روحاني في الأراضي العربية لا يقل خطورة عن التدخل التركي، تعد إيران تحت نظامها الحالي إحدى الدول الأوائل الراعية والداعمة للإرهاب في العالم، حيث أسست عدداً من المنظمات الإرهابية في داخلها (فيلق القدس وغيره) وفي خارجها «حزب الله في لبنان، الحشد الشعبي بالعراق، حزب الله- الحجاز، عصائب أهل الحق في العراق، المليشيات الطائفية في سوريا، الحوثيون في اليمن، سرايا المختار وسرايا الأشتر في البحرين وغيرها كثير». وعلى إثر ذلك، تمت إدانة إيران من قبل الأمم المتحدة، وفرضت عليها عقوباتٌ دولية. كما أنها دعمت وتواطأت مع منظمات إرهابية.
إن أطماع إيران تكبر وتتسع، كقوة إقليمية، تقوي أذرعها ومليشياتها، ودويلاتها الموازية ضد العرب.
هناك مطالب عربية تؤكد حالة الغضب والتذمر الشعبي من التدخل الإيراني السافر، في ظل صمت حكومي في هذا التدخل بشؤون بلادهم، وتحريك طهران أذرعها المسلحة في المنطقة.
هذا التوغل العسكري التركي الجديد في الدول العربية، إلى جانب التدخل الإيراني المستمر، واحتلالها لعدد من الدول والجزر العربية، استوجب إعلان مواقف عربية صريحة ومباشرة برفض التوغل التركي والإيراني، في سوريا وليبيا والعراق وغيرهما، وهو بالتمام ما أعلنته الدول العربية وجامعتها مراراً وتكراراً.
** **
- عبدالرحيم حماد