عبدالوهاب الفايز
استكمالاً للموضوعات التي طرحت في الحلقات الماضية حول مشروع الإخوان المسلمين والأبعاد الخطيرة لتحالفاتهم وانفضاح اتصالاتهم ومؤامراتهم في خيمة القذافي، نواصل الحديث لنقف عند أمر مهم وهو: بعد انكشاف هذا العبث الخطير بأمن المنطقة وأمننا الوطني، أهم مشروع فكري نحتاجه الآن هو إنشاء (مؤسسة فكرية وطنية للأبحاث وصنع السياسات) تتخصص في دراسة المشاريع السياسية والاجتماعية التي تستهدف أمننا واستقرارنا، بالذات (مشروع الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط).
نحتاج هذا المشروع الوطني حتى نحصن أوطاننا وشبابنا من مخاطر المشاريع التي تستهدف وجودنا ومستقبلنا. هذا المركز يقدم آلية عملية وغير مكلفة لاستجماع الجهود المبعثرة للعديد من الباحثين والدارسين الذين حصروا جهدهم في دراسات وأبحاث المنظمات والجماعات المتطرفة، وأغلبها (دراسات وصفية). نحتاج مركزًا فكريًا سياسيًا يتجاوز التركيز على فكر التطرف إلى استشراف المستقبل لمعرفة التحولات المقبلة لدى الجماعات الفكرية والسياسية ليدرسها بصفة شمولية، بما في ذلك جماعات الإسلام السياسي.
هذا المركز، بهذا التصور، نحتاجه حتى يسد الفراغ في الجهود المبذولة من المؤسسات والمراكز القائمة الآن التي بقي بعضها مجهول الإنجازات، أو متواضع في المخرجات التي لا ترقى لطموحنا والتحديات التي تواجهنا. الجهود المبذولة حالياً تحتاج (الرؤية الإستراتيجية) التي تحدد بوضوح الهدف الفكري والسياسي الذي يضعها في سياق التحديات السياسية والمخاطر الأمنية التي تواجه المنطقة وتواجهنا. مثل هذا المشروع يتيح الاستفادة مما يتكشف الآن عن مشروع الإخوان بحيث يكون قاعدة للقيام بدراسات تفصيلية ترجع للعقود الماضية لتجمع ما هو مطروح في أدبياتهم وتوجهاتهم في الثمانينيات وفتواهم مثل (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)، فالذين أصدروا هذه الفتاوى وتلاميذهم نراهم الآن يرتمون في أحضان المؤسسات الغربية، ويشجعون دولها على احتلال بلدانهم!
أيضاً يتخصص هذا المركز في جمع دروسهم وخطبهم ومقارنتها مع موقفهم الحالي. جمع خطابهم السياسي والديني يقدم الأدلة الصريحة التي تساعد المصلحين والدعاة والمتخصصين في تنوير الشباب وتحصينهم، فهؤلاء يحتاجون المحتوى الذي يتتبع ويجمع ويصنف أدبيات وأفكار وممارسات الجماعات المتطرفة التي تستهدف الشباب.
العالم العربي سيكون ساحة مفتوحة لسباق المصالح والأطماع السياسية لعقود قادمة، كما هي الحال في العقود الماضية. بل الأحداث الكبرى في العقدين الماضيين ستبرز تبعاتها على الأمن والسلام في المنطقة، فتدمير العراق وسوريا وإخضاعهما للاحتلال الإيراني، وتمكين الحوثي في اليمن ومواصلة دعمه، سوف يولد عديدًا من المشكلات الأمنية ويؤجل حسم ملف الإرهاب والجماعات الإرهابية.
كذلك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة الناتجة عن النزاعات في المنطقة ستولد المناخ الذي تنمو فيه مشاريع استقطاب الشباب وتجنيدهم، وقد شهدنا ذلك بعد تطور الثورة الإيرانية التي استهدفت الشباب الشيعة لتجنيدهم في المشروع الطائفي، ورأيناه مع الاحتلال السوفياتي لأفغانستان الذي استثمرته جماعة الإخوان المسلمين لتجنيد الشباب في مشروع الإسلام السياسي.
مراكز الدراسات والرصد والتحليل تتيح لصانع القرار إعداد المشروعات المضادة لحماية الشباب، كما أن إنشاء هذه المراكز المتخصصة غير مكلف مقارنة بالآثار الإيجابية المترتبة على مخرجاتها. ووجودها يسهم في ضبط الحوار في الأمور التي تخص العلاقة بين الدين والدولة لتطوير الفكر السياسي الإسلامي حتى تتضح وظائف الدولة في الإسلام، وأيضاً لمنع تكرار الاستغلال السيئ للدين في السياسة الذي نرى آثاره المدمرة.
حدة الصراع في العالمين العربي والإسلامي، لن تنتهي، ولهذا السبب نرى السكوت المريب عن جماعة الإخوان وما تفرع عنها في العواصم الغربية رغم خطابهم المتشدد الواضح.
لماذا السكوت عنهم وهم يعرفون خطورتهم، ويعرفون مصادر تمويلهم، بالذات التمويل القطري، لماذا؟!