يا غائبًا في الثرى تبلى محاسنه
الله يوليك غفراناً وإحسانًا
ما من شك إن جادة الموت آهلة بتدافع قوافل الراحلين ليلاً ونهاراً، إلى الدار الآخرة إلى أن ينفد البشر، فهذه سنة المولى في خلقه حياة ثم ممات إلى أن يرث الأرض ومن عليها، فالسّعيد من يرحل بزاد من التقى والعمل الصالح، فيما يرضي ربه عند لقائه، فقد لقيه فجر يوم الثلاثاء 9-11-1441هـ بنفس راضية مطمئنة، وقبله زميلنا الأستاذ الفاضل عبدالله بن عبدالعزيز أبوعباة الذي غادر الحياة يوم الثلاثاء 24-10-1441هـ مأسوفاً على غيابهما عن نواظرنا ونواظر أسرهم وأحبتهما، -تغمدهما الله بواسع رحمته ومغفرته- وهكذا تتابع الزملاء وقبلهما عدد من الزملاء في هذا العام: مثل الأستاذ عبدالله الحمد الحقيل، والأستاذ عبدالله بن محمد العقل، والأستاذ عبدالله بن محمد السنيدي وغيرهم...:
ولم أرى مثلهم هلكوا جميعًا
ولم أرى مثل هذا العام عامًا
فلنعد إلى الحديث عن حبيبنا الأستاذ ناصر بن عبدالله الطريم، الذي ولد في مدينة البكيرية -إحدى كبريات بلدان القصيم- عام 1353هـ، ثم بدأ دراسته في الكّتاب بتحفيظ القرآن الكريم، لدى المقرئ الشيخ عبدالرحمن السالم الكريديس..., بعد ذلك حصل على الشهادة الابتدائية عام 1370هـ في مهوى رأسه مدينة البكيرية، ثم انتقل إلى الرياض فالتحق في المعهد العلمي عام 1371هـ وحصلنا جميعًا على الشهادة الثانوية سويًا عام 1374هـ مواصلين الدراسة بكلية اللغة العربية حتى نلنا الشهادة العالية عام 1378هـ -الدفعة الثانية- كما نال رسالة الماجستير، وكان طِيلة مراحله الدراسية مُتّصفا بالوقار وطيب المعشر وسماحة الخلق، لا يتفوه إلا بحلو المنطق وعذب الحديث، ومستفيدًا من الوقت حتى في أكثر الفسح الطويلة داخل الفصول..., وقد وعى قول الوزير الصالح العلامة يحيى بن هبيرة الحاث على حفظ الوقت فيما ينفع:
والوقت أنفسُ ما عُنيت بحفظه
وأراه أسهل ما عليك يضيع
وبعد ما حصل على المؤهلات الدراسية عمل مدرساً في المعهد العلمي مدة من الزمن، وأخيرًا عُين عميدًا في كلية اللغة العربية بالرياض، وقام بعمله خير قيام حتى تقاعد حميدة أيامه ولياليه، تارك ذكرًا حسنًا مع زملائه وطلابه:
فأحي ذكرك بالإحسان تزرعه
يجمع به لك في الدنيا حياتان
ثم تفرغ لعبادة الله وتلاوة القرآن الكريم داخل المسجد، آناء الليل وأطراف النهار حتى قُبيل وفاته رغم ما يعانيه من بعض عقابيل الأمراض المزمنة -غفر الله له وأجزل له المثوبة- كما كان يستقبل أبناء أسرته وأقاربه ومعارفه وجيرانه فيقوم بإكرامهم، وينفحهم ببعض الحِكم والأمثال الهادفة حاثًا أبناءهم الصغار على الاستقامة وأداء الصلوات داخل المساجد،وحاثا أبناءهم بالتحلي بمكارم الأخلاق، وإنصاتهم لتوجيهات والديهم كي يسعدوا في حياتهم..., فكله نصح وإخلاص.., فهو نهر عذب يرتوي منه الصغير والكبير، وكان باراً بوالديه ومحبيهما وواصلاً لرحمه ، وجيرانه، فحياته كلها خير وبركة، ولنا معه بعض الذكريات الجميلة التي لا تغيب عن خاطري مدى الأيام -تغمد الله الفقيد بواسع رحمته ومغفرته- وألهم أبناءه وبناته وعقيلته وأسرة آل طريم، ومحبيه الصبر والسلوان:
تولى وأبقى بيننا طيب ذكره
كباقي ضياء الشمس حين تغيبُ
** **
عبد العزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء