عبده الأسمري
ثمة فرق بين العدوى والاقتداء.. فالأولى تتعلق بالسلب والخطأ والمرض والثانية ترتبط بالإيجاب والصواب والصحة..
يعد السلوك المؤشر الرئيس والمنبع الأول الذي تتشكل منه شخصية الإنسان وهو «الإنتاج» الذي يصدر من الشخص ويراوح ما بين السواء والسوء وهو حصيلة «الاستجابات والمثيرات» ومنه وعليه تتعامد المؤثرات في «نتائج لاحقة» تتوارد منها سلوكيات قادمة في محيط الحياة وفي دوائر التعامل.
تتشكل الشخصية في السنوات الخمس الأولى من العمر وتأتي «صرخة الميلاد» كأول سلوك إجباري في حياة الإنسان خارج حسابات الاستعداد تتوالى بعده سلوكيات ومسالك متعددة في محطات «عمر» تبقى في «خزانة» الذاكرة» يتم الرجوع إليها والاستفادة منها والاعتبار بها في ميزان ذاتي خارج إطار الموجهات الأخرى القادمة من محيط «المجتمع» أو من دائرة «البشر».
يحاكي الفرد في طفولته الأسرة وخصوصاً الوالدين ليتشرب منهما «سلوكيات» معينة تتغير بتغير جنس المولود «ذكر» أم «أنثى» وتظل «مناعة» الإنسان في هذه الفترة في «مراحلها» الخام دون استغلال ولكنها تتجه إلى التشكل وفق «التربية» والتشكيل عبر «التنشئة» «ويسير فيها الفرد داخل المجال الآمن» حتى بلوغ المدرسة ما لم يحاط خلالها بمؤثرات أو متغيرات أو مشكلات وأن تعرض إلى «متاعب» أولى في تلك المرحلة فإن الذاكرة ستفتح أول «ملفات» الخبرات المؤلمة التي ستظل «خطراً» يندد بذكرى أولى تظل في «الحيز» المؤرق من الحياة.
يمر الإنسان بمحطات العمر.. يحرص ويحمي صحته الجسدية كثيراً وما أن تمر به أزمة صحية حتى يلازم السرير ويراجع الأطباء وينسى أن لديه جهازًا نفسيًا شريكًا مع العضوي في السلامة والصحة والعافية وأن الأمراض النفسجسمانية أمراض عصرية تتربص بالجسد من ثغرات النفس وتحيط بالأعضاء من فجوات السلوك..
يبحث الإنسان كثيراً عن تقوية مناعته الجسدية وما أن تنهار حتى يدخل في نفق الأمراض والأسقام.. ومع ذلك فإن هنالك أسبابًا وتداعيات تهاجم جهازه النفسي فيصاب بالمرض النفسي وتحاصره الأعراض الجسدية فيحتار بين الرقاة والأطباء ويلجأ إلى غياهب الطب الشعبي ويختل ميزان ثباته بين تقلبات النتائج فيظل أسيراً للمتاعب وقد يدخل في دائرة الوهم التي قد لا يخرج منها إلا بمعارك طويلة مع العقاقير والجلسات.
وحين نتحدث عن تلك الأوجاع التي تستعمر الجسد والنفس معاً في «اشتراك خفي» فان المسؤول الأول عنها هو السلوك إذا ما أخذنا بأسباب معينة وروابط مبينة أدت إلى النتيجة فإذا ما استعد الإنسان بتأسيس خط المناعة الأول القوي أمام ساحات سلوكه فإنه سينجو من العدوى التي تنتقل تمامًا من فيروسات حياتية تهاجم العقل والقلب وتحاصر النفس والروح فيرتمي الإنسان في سلوك التقليد أو المحاكاة فإن كان خاطئاً وقع في متاهات «العواقب» وسقط في أقبية «الندم» وتعثر في تبعات «العاقبة» حتى يتفاجأ بهجمات «مفاجئة» من الحيرة والإحباط والتوتر والضيق وقد ينتهي به الأمر إلى دفع الثمن بضياع «عملي» أو «صراع اجتماعي» يكون نتاجه «المرض النفسي» ومصيره «الشتات الحياتي». العدوى السلوكية ظاهرة مؤلمة لم يلق لها الناس بالاً ولم يتلق بها البشر علماً فظلت جائلة في المجتمعات تنتقل بسبب التربية أو رفقاء السوء أو ضعف المناعة الحياتية وتناقص الدفاع النفسي والذود الذاتي عن بوابات «السلوك» فتأتي النتائج مؤلمة خصوصًا في ظل غياب «التوجيه» ووسط تغييب «الاستعداد» لوضع خطط كفيلة لمنع انتقالها ووقف سطوتها حتى يعيش الإنسان وفق وجهته الخاصة بعيداً عن السقوط في «وحل» انتقال وباء سلوكي يلقي به في غيابت «الحسرة».
هنالك تجاهل كبير وتغافل أكبر صنع سوءات «الإهمال» بكل تفاصيلها أخرجت لدينا «سلوكيات» انتقلت بالعدوى وأفرزت لنا «ظواهر» انتشرت دون جدوى.رغم وجود الخطط وتوفر الاستشارات وظهور الحلول.. إلا أن الحل الرئيس يكمن في تقوية خطوط الدفاع الذاتي من خلال «مناعة نفسية» قوية تعزز بشكل دائم من خلال التمعن في تجارب الآخرين والإمعان في مواقف الغير للحيلولة دون المساس بالسلوك الفردي الذي يمثل الإنسان وهو من يجنى إما «ثمار» نفعه أو «أخطار» وقعه.