د.نايف الحمد
في تاريخ الرياضة السعودية مرت على الأندية - وبخاصة الكبيرة منها - حالات من الوهن جعلت من تلك الفرق حملاً وديعاً احتاجت بعدها لسنوات طويلة وربما عقود حتى تستعيد مكانتها على خارطة الكرة.
هذه الحالة مرت على كل الأندية باستثناء كبير الرياض وزعيم أكبر قارات العالم نادي الهلال، الذي لم تغب عنه شمس البطولات.
في موسم 2017م تعرض الهلال لنكسة كبيرة بعد خسارة النهائي الآسيوي، حتى بدا أن الفريق في طريقه للانهيار مع نهاية الموسم، رغم تصدره لترتيب مسابقة الدوري بفارق كبير قبل هذا الانهيار.
يا له من موسم غريب.. بدأه الفريق بقوة ثم تكالبت عليه الظروف، وفقد الفريق الكثير من بريقه بعد أن كان ملء السمع والبصر قبل شهور عدة.. وقد ساد الاعتقاد لدى بعض خصوم الهلال أنه سيغيب كثيرًا، وبنفس طريقتهم في التفكير بعد خسارة الهلال لنهائي القارة 2014م أمام سيدني!
تماسك الهلاليون وأبدوا رباطة جأش غير عادية، وقاد سفينتهم الربان الماهر نواف بن سعد إلى بر الأمان.. وبالكاد في الجولة الأخيرة حسم الزعيم الهلالي البطولة واحتفل مع أنصاره في محيط الرعب ببطولة الدوري الخامس عشر، بعد أن اكتسح الفتح برباعية في ليلة من ليالي الزعيم الخالدة.
بدأت القصة بعد خسارة النهائي القاري بمباراة الأهلي في الرياض، والتي ظفر الهلال بنتيجتها 2-0، ثم بدأ الفريق بالنزول التدريجي وفقدان النقاط بشكل مفزع حتى أصبح الأهلي على بعد نقطة من الهلال.. وباتت مباراة العودة في جدة مفصلية والفوز فيها سيجعل اللقب محسوماً لأحد الفريقين بنسبة كبيرة، وخصوصاً أنها تأتي في الجولة ما قبل الأخيرة.
الأهلي يحتاج للثلاث النقاط لينتزع الصدارة ويتأهب للتتويج في الجولة الأخيرة.
احتبست أنفاس جماهير الهلال في تلك المباراة، وساد التوتر بين أنصار الفريقين لاسيما جمهور الهلال كون الفريق يمر بفترة عصيبة مع إقالة الداهية دياز وتفشي الإصابات في صفوف الفريق.
في تلك المباراة ظهرت روح الهلال وأبدع نجوم الموج الأزرق على ملعب امتلأت مقاعده بالجماهير وبأجواء مشحونة لا تتكرر.. لقد أظهر نجوم الهلال عظمة هذا النادي وقيمته.. وقدرة رجاله على الصمود أمام أشد المواقف صعوبة.. فالهلال لم يهزم الأهلي فقط.. بل هزم كل العقبات التي واجهته، ليثبت للجميع أنه كبير باسمه وإرثه ومجده.
كانت تلك البطولة من أغلى البطولات التي حققها الهلال، كونه خطفها من الفريق الأهلاوي في جدة وخرج من عنق الزجاجة في ظروف استثنائية.
لا أنسى في ذلك المساء جماهير الهلال في جدة والدور الكبير الذي لعبته والدعم المتواصل للفريق طوال مجرى المباراة وخصوصاً في الجزء الأخير منها.. لقد أشعلت جماهير الهلال الملعب اعتباراً من الدقيقة الخامسة والسبعين، ولم يعد يُسمع إلا صوتها.. وصاحب ذلك حماس وتفاعل وقوة غير طبيعية من نجوم الهلال، حتى بات المشاهد يرى اليأس وقد انطبع على أداء لاعبي الأهلي وجماهيره في المدرجات.
انتهت أهم مباريات الموسم بالتعادل السلبي مع تفوق واضح للهلال على مستوى الأداء والروح الكبيرة.. وكان بالإمكان حسم النتيجة وتحقيق الانتصار، لكن التوفيق لم يحالف اللاعبين في ترجمة الفرص إلى أهداف، خاصة في الجزء الأخير من عمر المباراة.
لقد قدَّم الهلال في ذلك الدوري درساً في كيفية التعاطي مع الظروف والأحداث، والخروج منها برأس مرفوع.. ناد يتكئ على عراقته وثقافته عندما تواجهه مثل هذه الظروف.. وجواد أصيل يعرف كيف ينهض من كبوته.
هي قصة جميلة من قصص المجد الهلالي وصفحة ناصعة من تاريخه المطرز بالذهب والبطولات.