د.ثريا العريض
أؤمن أن الثقافة هي أسلوب حياة قد يتسم بالثراء والتنوع وتعدد الأوجه، كما وضحت لنا التفاصيل التي وصلتنا عن الحضارات الأخرى عبر الأزمنة، وقد يتسم بالشح وتقلص مساحة وجودة العطاء والتلقي لأسباب شتى، منها أن يكون السائد المجتمعي منحازاً ضد بعض أنواع الإبداع، والنخبوية التي تحد من مساحة التلقي، والشللية التي تمنح نجومية لمن لا يستحقها مقارنة بالأكفأ والأجمل الذي يضيع تميزه في «الطوشة».
ولذلك سعدت بإعلان وزارة الثقافة مبادرة «الجوائز الثقافية الوطنية» المتضمن تفاصيل تخصيص أربع عشرة جائزة لتكريم المبدعين من أفراد ومؤسسات، يتم منحها سنوياً. والمبادرة تعكس توجه الوزارة لإثراء وتجويد المنتج الثقافي كأحد الأهداف الرامية إلى تحسين جودة الحياة باعتبار الثقافة إحدى ركائزها الأساسية.
واللافت في هذه المبادرة اتساع أفقها لتشمل بتعريفها لمجال الثقافة نواحي من نشاط المبدعين والمبدعات لم تكن مشمولة من قبل بسبب تركيز ممارسات تقاليدنا مجتمعياً على كون الثقافة منحصرة في صنعة الكتابة دون غيرها من نشاطات الإبداع الفردي، ولذلك لم تكن في مجتمعنا معترفا بها كنواح «ثقافية» إبداعية منها الفنية كالتصوير والنحت والموسيقى والسينما والمسرح الأفلام وحتى الطبخ والأزياء. وهذا التطوير في الرؤية يحسب لصانعي القرار والوزارة.. خاصة ووطننا يتسم بثراء واضح في تعدد موروثات كل المناطق وهي شاسعة ومتباعدة ومخلفة طوبوغرافيا وبيئيا واقتصاديا.
وسيكون جميلاً أن تشرع شرفات التكريم والتقدير والأضواء لتشمل الفئة العمرية التي أجبرتها الظروف المجتمعية على الصمت والإنزواء وعدم النشر وتجنب الظهور، خاصة خلال مرحلة التشدد التي امتدت بين الثمانينيات حتى منتصف العقد الحالي. وحتى من امتلك الشجاعة لمواصلة الإبداع والمشاركة مثلي تأثر سلبيا بالتهديدات والحروب النفسية الممنهجة التي شنت عليه. وبذلك تتيح المبادرة لهذه الفئة ما يعوض معاناتها والفرص الضائعة، بعد أن حررت رؤية التحول الشامل مجتمعنا من الانغلاق في إطار محدود والضغوط الخانقة للإبداع والتعبير الذاتي، ورحبت بكل إبداع إيجابي.
من هنا أتفاءل أن هذه المبادرة سيكون لها مردود إيجابي على مشهدنا الثقافي، آنياً ومستقبلياً، وأنها ستحقق جل إن لم يكن كل ما حدد لها من أهداف على المديين القريب والبعيد.
أجزم أنها ستولّد تحفيزاً وتوجد حراكاً عبر تفعيل وتنشيط الساحة العامة وزيادة التفاعل من حيث الإبداع والإنتاج والتلقّي محليا بين المبدعين، وبينهم وفئات المجتمع الأخرى. بل أتوقع أنها ستحفز تفاعل المبدعين المتلقين خارج الساحة المحلية على متابعة مستجداتنا إذ تلقي الضوء عبر النشر والترجمة وإتاحة الفرصة للمشاركة في النشاطات والمناسبات الخارجية. وبذلك يصبح ما تثمره الساحة المحلية من إبداع متميز، ويشد انتباه الآخرين له وتفاعلهم معه، رافداً من روافد بناء الهوية الثقافية الجديدة للمملكة وجاذبا لزيارتها ودراسة منتجاتها من شتى أنحاء العالم.