ضعف التعليم هو السبب الرئيسي في تدهور الأمم في كافة المجالات منذ العصور الأولى. للتعليم أهمية كبرى وتأثير على المجتمع والاقتصاد لأي دولة، كما أنه من أول الملفات إصلاحاً ومن أكثرها رصداً للميزانيات في الدول. نجاح التعليم في الدولة هو نجاح لها اقتصادياً، تجارياً وعسكرياً فإذا عم الجهل وضَعف الوصول للمعلومة بات العالم في ظلمات تتلوها ظلمات. التعليم في المملكة حظي باهتمام كبير منذ قيام الدولة السعودية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وحتى وقتنا الحاضر، فحصل على الدعم والتطوير والتقويم للخروج بنواتج تعلّم وتؤهل القيادات وتُكمل مسيرة بناء الدولة بكل اقتدار.
في السنوات الماضية من التعليم حدثت تخبطات داخل الميدان التربوي فلم تكن بدراسة متقنة إن صح التعبير، ولم يكن لها أي شفافية بنتائج تلك الدراسات التي هَدمت تأسيس جيل من الطلاب والطالبات لغوياً. فمن الطبيعي أن يمر عليك طالب بالصف الأول الثانوي ولكنه لا يجيد كتابة اسمه بالطريقة الصحيحة أو طالب في السنوات الأخيرة من الجامعة لا يستطيع قراءة مقالة علمية صغيرة. بعد تلك المدة التي ليست بيسيرة وتغيير قيادات دفة الوزارة أدركت الأخيرة لاحقاً هذا الخطأ وجعلت «نواتج التعلّم» من أول أهدافها، وجعلتها من أهداف رؤية المملكة 2030 . النتائج لن تأتي بين ليلةٍ وضحاها، لكن أول الغيث قطرة، فعلى سبيل المثال عودة مادة الإملاء للصفوف الدراسية كانت أُولى الخطوات والتي تلتها عودة الاختبارات التحريرية لصفوف المرحلة الابتدائية. أصبحت وزارة التعليم هي من تُقّوم العملية التعليمية بتغذية راجعة من مخرجاتها، لكن السؤال الغريب لماذا أُنشئت هيئة تقويم التعليم والتدريب؟
عندما أُنشئت هيئة تقويم التعليم والتدريب في عام 1434هـ استبشر الجميع خيراً بتطوير الكوادر والمنظومة التعليمية في المجال التربوي في المملكة للوصول لأهدافها التي تليق بمكانتها. لاسيما أن تقويم أي منظومة هو من أسس نجاحها بلا شكٍ في ذلك، لكن العمل التنفيذي لذلك التقويم هو الأساس للوصول للنجاح الذي يطمح الكل لتحقيقه. كان الجميع ينظر إلى هيئة تقويم التعليم بأنها المُنقذ السحري، وذلك بسبب تأخر العملية التعليمية في المناهج، التطوير المهني، البيئة المدرسية والاختبارات العالمية ... والكثير من الملفات التي كانت تؤرِّق الميدان آنذاك. جميع من في الميدان التربوي تفاجأ بأن عمل تلك الهيئة هو مجرد اختبارات قياس واختبارات التحصيلي والكفايات التي كانت قائمة بذاتها وبجودة أعلى من قبل إنشاء الهيئة، وحالياً اختبار الرُّخص التعليمية للمعلمين، وبث دراسات بأن الطالبات أذكى من الطلاب دراسياً الذي هو معروف سابقاً لدى وزارة المعارف آنذاك! ناهيك عن المناكفات مع وزارة التعليم والتراشق إعلامياً كما حدث مؤخراً بين هيئة تقويم التعليم والوزارة حول الاختبار التحصيلي، والذي بمثل هذه التصرفات تُثقل كاهل تطوير العملية التعليمية. ما هو مُنتظر من الهيئة أكثر من ذلك بكثير مما حصلنا عليه منذ تأسيسها.
تقويم البرامج الأكاديمية داخل أروقة الجامعات والذي هو من اختصاص هيئة تقويم التعليم من أهم الأمور التي كان من الواجب على الهيئة أن ُتولي له اهتمام أكبر. فلو كانت البرامج تهيئ الطالب إلى سوق العمل لكانت نسبة البطالة في تناقص أكثر. الكثير من برامج التعليم العالي هي برامج تنظيرية لا تنفيذية، فلماذا لم تقوم الهيئة بتقويم تلك البرامج لتكون ملائمة لسوق العمل؟
الكثير من التربويين لديهم تساؤل دائماً، هل نحن بحاجة إلى هيئة لتقويم التعليم؟ إذا اقتصر عمل الهيئة على قياس أداء الوزارة وتقويمه، فلدينا مركز وطني مُرتبط برئيس مجلس الوزراء يقيس أداء عمل الوزارات والأجهزة العامة (أداء). فأصبح لدينا تعارض ميداني وهدر مالي بنفس النتائج. فليكن بأن وزارة التعليم هي من تقوم العملية التعليمية، والمركز الوطني لقياس الأداء هو من يقيس العملية التربوية. فبذلك حققنا المصلحة العامة بأن يكون القياس من خارج المنظومة، والتقويم والتعديل من جهة الاختصاص نفسها. أليس من الممكن إنشاء إدارات داخل أروقة الوزارة تقوم بعمل الهيئة الحالي؟ ما زلت أرى بأن الهيئة أصبحت حملاً ثقيلاً على العملية التعليمية في المملكة وكثير من برامجها يمكن تنفيذه من خلال إدارات ووكالات مختصة داخل وزارة التعليم ويتم قياسها من خلال المركز الوطني لقياس الأداء.
** **
- صالح بن محمد السديس