«الجزيرة الثقافية» - محمد المرزوقي:
وصف معالي الأستاذ عبد الرحمن بن عبد العزيز الهزاع رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون سابقًا، رحلة أكثر من أربعة عقود في مضمار الحياة الإعلامية، قائلاً: ما أسرع انصرام الأيام، وما أسرع انقضائها! تتفلت تفلت البعير من العقال! وتنسل انسلال الماء من الأيدي! والآن وبعد رحلة واحد وأربعين عامًا، قضيتها في العمل الإعلامي الحكومي بكل قطاعاته، وبشتى صوره وأشكاله، ورتبه ومهامه، يمر على خاطري ما عشته لحظة بلحظة مر السحاب، وقد طوي طيًا! تتسارع أحداثه أمام ناظري، وتتقافز ذكرياته في مخيلتي، حتى أنني لأجد طعم حلاوتها ومرارتها، وسهولتها ووعورتها، وصفائها وكدرها، أجد طعم ذلك على لساني، فيسعد به أو يتكدر له خيالي.
وأضاف الهزاع في سياق حديثه عن مخيال هذه التجربة الإعلامية، والمسير الإداري بين مختلف قطاعاتها الحكومية، قائلاً: ها أنا ذا أحرز لي، ولكم، وللتاريخ، سيرتي ومسيرتي في هذه الأوراق، التي ضممتها عصارة العمل، وثمرة السعي، وحصاد الأيام، وما كنت لأظن خاصة في أيام الانغماس في العمل، وقد أحاطتني المهام، وتكاثر على سمعي وبصري وخاطري الأشخاص والأحداث، أنه سيأتي يوم أفرغ فيه لتحبير مسيرتي الإعلامية! ولكنها الأيام تعمل عملها، والأزمان تفرض أحاديثها وأوراقها، شهور وأيام واليراع لم تحنّ إليه يدي، والرغبة في الكتابة لم يهفو إليها خاطري، وفي خضم ذلك تتواطأ الألسن، وتتفق الآراء، ويتحد المطلب، ويشتد السؤال، من زملائي في مسيرة العمل، ومعارف، وأصدقاء خارج دائرته، والجميع في لسان واحد، وفي رأي واحد، وفي مطلب واحد، وفي سؤال واحد: لماذا لا تكتب سيرتك الذاتية؟!
أما عن إجابة الهزاع (العملية) على إلحاح الأسئلة، وإجماع الرأي، واتفاق المطلب، في الشروع بتدوين هذه السيرة، فوصفها الهزاع قائلاً: لم تكن الاستجابة سريعة، فيعد مضي ما يقارب ثلاث سنوات من تركي العمل، دار حوار جاد بيني وبين الزميل عبد المحسن المرشد، حول سيرتي الذاتية، فرأيته متحمسًا لكتابتها أشد ما تكون الحماسة، وحتى يشجعني، ويضاعف من عزمي، اقترح عليّ أن ابتدئ بالتسجيل الصوتي حتى يكون ذلك أعون على جريان الكلام، واسترسال الأحداث، واستذكار المعلومات، على أن يقوم بتفريغ التسجيلات وطباعتها وتسليمها لي لمراجعتها، وإضافة ما يحضرني بعد بما يشكل النواة الأولى للكتاب، حيث تمكن من تسجيل (13) حلقة، تعد الأجزاء الأولى من الكتاب، ثم توقفنا وانقطع لتواصل بيننا، ثم توقفت لفترة طويلة عن مواصلة الكتابة نهائيًا، ثم عاودتها على فترات متقطعة، وفي نهاية الأمر عقدت العزم على المواصلة حتى انتهيت من المسودة الأولى.
وأمام جمع ذاكرة أكثر من أربعة عقود في مسارات إعلامية ومهام إدارية متنامية، وما تتطلبه من رصد واستقصاء وتوثيق.. قال الهزاع: مما رجعت إليه أرشيفي الشخصي، كما تواصلت مع العديد من الزملاء، ورجعت إلى الكثير من المصادر الإخبارية في الشبكة العنكبوتية، مما ساعدني على تذكر تفاصيل أحداث لم أكن لأستحضرها دون الرجوع إلى جميع ما تقدم، مردفًا «الهزاع»، قوله: إذن هي واحد وأربعون عامًا، مشحونة بالقصص والأحداث، والأشخاص والمواقف، وقد ضربت صفحًا عن الكثير منها، سعيًا للاختصار، أو حفاظًا على السرية، أو احترامًا للخصوصية، ففي كتابي هذا تمثلت قول معالي الدكتور غازي القصيبي في كتابه «حياة في الإدارة»، : لا أدعي هنا أنني قلت هنا الحقيقة الكاملة، ولكن أرجو أن كل ما قلته هنا حقيقة»، وفي خضم ذلك ألتمس العذر من كل من ورد اسمه تصريحًا أو تلميحًا، إن كنت أخطأت في حقه دون قصد، فما إلا الحقيقة أردت.
وقد أخرج الهزاع من ذاكرة أكثر من أربعة عقود، ما وضعه بين أيدي القراء، بعنوان: «كنت هناك: رحلة 41 عامًا في الإعلام: سيرة ذاتية - توثيق تاريخي»، في تسع وتسعين ومئتي صفحة من القطع المتوسط، صادر عن دار تشكيل، في طبعة أولى 2020م، متضمنًا ثمانية عشر فصلاً، ضم كل منها متناغمات من الموضوعات التي تتكامل في بناء مسيرة سيرة إعلامية امتدت لأكثر من أربعة عقود، التي جاءت عناوين فصولها على النحو التالي: النشأة وبداية الدراسة، الإذاعة وبداية المشوار، الابتعاث لإكمال الدراسة، التلفزيون وبداية المسؤوليات الإدارية، من الأخبار للرقابة، العودة للأخبار من جديد، مواقف لا تنسى، وزير جديد وعهد جديد، بداية المسؤوليات الكبيرة، العودة للإذاعة بعد طول غياب، الإعلام الداخلي.. تجربة فريدة، العودة للتلفزيون مرة أخرى، العلاقات الثقافية الدولية، هيئة الإذاعة والتلفزيون، رئاسة الوفود الإعلامية، أنشطة خارج العمل الرسمي، مشاركات إعلامية، التكريم مسك الختام، تلاها ملحق خاص بالصور.
وبخبرة الإعلامي المهني، والإداري المسؤول، واجتماع خلاصة التجارب في تجربة (سيرية)، لأكثر من أربعة عقود، دونها الهزاع بقلم المؤرخ، ودقة الباحث، ومهارات الإعلامي (الممارس) للمهنية، والمتمرس في إدارة مسؤولياتها، داخل المملكة وخارجها.. إذ جمع الهزاع يدي القارئ السعودي عامة، والمتخصصين والباحثين، وطلاب أقسام الإعلام المرئي والسموع، «حياة في الإعلام»، لأزاهير اختارها صاحب السيرة لتكون سيرة أخرى تضاف إلى ذاكرة سيرة الإعلام السعودي، المرئي منه والمسموع، بأسلوب تجاوز فيه الهزاع الكتابة «السير وثائقية».
إلى حكاية السيرة، لـ«يسمع»، القارئ صوت الهزاع، ولـ»يراه» بين سطور سيرته أيضًا!