عبدالعزيز السماري
يعد العالم العربي ابن الهيثم المؤسس الأول لعلم المناظر، ومن رواد المنهج العلمي في التاريخ، وهو أيضاً من أوائل الفيزيائيين التجريبيين الذين تعاملوا مع نتائج الرصد والتجارب فقط في محاولة تفسيرها رياضياً دون اللجوء لتجارب أخرى، وكان له منهج علمي سبق به علماء الطبيعة الغربيين..
كانت الحقيقة العلمية عنده واحدة، والاختلاف حولها هو نتيجة تعدد الطرق المتبعة للوصول إليها..، كان يؤمن بالشك المنهجي للوصول إلى الحقيقة، فالشك عنده هو وسيلة لبلوغ الحقيقة، والغاية هي التثبت من الشيء قبل التسليم به، فهو لا يسلم برأي قبل الاقتناع بصوابه بالتجربة والمشاهدة حتى ولو كان هناك إجماع عليه بين العلماء والعوام، وقد واجه في عصره الأمرين، وذلك عندما وضع التجربة والبرهان مقدمة للوصول إلى الحقيقة العلمية، ويعد العالم التجريبي الأول في التاريخ، فقبله كانت النظريات والآراء والفلسفة تسود الرأي العام..
كان الموقف العامي والفقهي من آرائه سبباً لوصولنا إلى أدنى مستويات الحياة البشرية، فقد دخلنا في التيه لأننا نبذنا العلم كطريقة لكشف أسرار الطبيعة، وعشنا نحو خمسمائة عام في العزلة بسبب التحجر الديني، وسيطرة الخرافة والأساطير على أفكارنا وعقولنا، وبعد بزوغ العلم في الغرب دخلنا في مرحلة الصدمة والشلل التام، وتحولنا إلى عقول مستهلكة همها الأول صدور فتوى تحلل هذا المنتج، وذلك الجهاز، وفي ذلك غلبة للعقل العامي على مفاهيم الدين ومقاصده الأساسية، والتي منها أهمها وجوب التفكر في مخلوقات الله، والبحث في أسرارها، واستغلالها لخير الناس.
مازالت الخرافة تجد لها طريقاً في العقل العربي، والدليل شيوع استخدامات وسائل بدائية في الطب، والاستناد إلى تفاسير تجعل منا أسرى في سجون التخلف والجهالة، ونحن في هذا العصر في حاجة ماسة للانقلاب على هذه المفاهيم، وإحياء المبدأ الأول، وهو أن الوصول إلى الإيمان بقدرة الخالق هو البحث في أسرار الكون، وكشفها لمصلحة البشر.
يسيطر نوع من الجبن إن صح التعبير بين علمائنا في البحث العلمي في العمل على كسف أسرار جديدة، والسبب هو التسليم أن هذه الاكتشافات يجب أن تختم عليها المؤسسات العلمية الغربية، بينما تعلمنا من تجارب الدول الآسيوية أن الطريق إلى تجاوز هذه العقدة هو الاستثمار في البحث العلمي في مختلف المجالات، وأن يكون القلب النابض في التنمية الحديثة.
نعاني من مشكلات مزمنة من أهمها ندرة المياه، ولا يوجد طريق آخر لحلها سوى تحلية مياه البحر، ومع ذلك لا تصدر أبحاث علمية من واقعنا لحل هذه الإشكالية وصناعة موادها داخل الوطن، فالماء أحد أهم مصادر التهديد الأمني في بعض الدول العربية، وإيجاد حلول لهذه المعضلة وتحويلها إلى منتج اقتصادي رخيص قد يحول الصحراء إلى مروج خضراء، ولعلها الأزمة التي لن تأتي حلولها من الغرب، الذي لا يحتاج إلى مياه من البحر، فالأنهار توفر لهم المياه اللازمة، بينما نحن في مواجهة خطر سكاني في ظل وجود تصحر بسبب ندرة المياه، وتكاليف تحلية المياه ما زالت مرتفعة، وإذا لم نبتكر حلولاً أرخص، سيعاني اقتصادنا من الطلب المتزايد على الماء..
إعادة الحياة لذكري ابن الهيثم وتحويله إلى رمز علمي قد تنجح في إثارة العقل العربي إلى العودة إلى ذهنية الابتكار، ويكون ذلك بتشجيع البحث العلمي في هذا المجال وغيره من المجالات، ولذلك من أجل الاستقلال الذاتي، وارتفاع الثقة بين الجيل الجديد من أجل مستقبل أكثر إشراقاً..