د. محمد عبدالله العوين
حين تم الاتفاق مع الدكتور فهد العرابي الحارثي رئيس تحرير مجلة اليمامة على أن أتولى الإشراف على القسم الثقافي فيها عام 1410هـ لم يكن يظهر لقراء المجلة إلا الأسماء البارزة التي تكتب مقالاً أسبوعياً في صفحة أو زاوية كالدكتور فهد الحارثي وإدريس الدريس مدير التحرير وعبد العزيز السويد، وغيرهم ممن يعملون في التحرير إلا أن عدداً منهم لا يداوم على الكتابة المنتظمة كبدر الخريف، وعبد العزيز الخميس، وفهد العبد الكريم وغازي العبد الله -رحمهما الله-.
كان العمل في التحرير الصحافي للمجلة يستغرق جلَّ وقت ونشاط فهد العبد الكريم؛ كمتابعة المشاركين في قضية الأسبوع، وهي باب كبير من أبواب المجلة، وحققت القضايا الساخنة التي نشرت صدى واسعاً على المستوى الرسمي والشعبي؛ كقضية الصورة في بطاقة المرأة - مثلاً - وقد كان طرح الفكرة في ذلك الوقت الذي كان فيه تيار ما سُمي بالصحوة ممسكاً بكثير من وسائل التأثير في الرأي العام متزامناً مع أحداث سياسية في الساحة العربية كاحتلال العراق الكويت وبدء التحشيد لتكوين قوات عربية ودولية متحالفة لإخراج صدام حسين من الكويت، واستغل تيار الصحوة ما أحدثه الغزو من بلبلة وانشغال رسمي بتداعياته فبدأ حملة تأجيج ضد قضايا التحديث والانفتاح كما هو الموضوع الذي أثارته المجلة، فكان رئيس التحرير والمحررون يحتملون كثيراً من ردود الفعل المتشنجة ويتعاملون مع من يرسل فاكساً أو يزور المجلة بأناة وسعة صدر، وإلى جانب قضية الأسبوع التي يعمل على اقتراح أفكارها الزملاء جميعاً في اجتماع الخميس الأسبوعي تُثار أفكار جريئة أخرى في الصفحات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وكان فهد العبد الكريم الدينمو الخفي الذي يتولى متابعة ما يتم اقتراحه وتنسيق مواده والوقوف على الأبواب والمقالات في مرحلة الإخراج إلى أن يبدو العدد الأسبوعي مكتملاً ليتم التأشير على كل صفحة وباب منه بتوقيع رئيس التحرير، فكان فهد جامع المادة الصحافية ثم متابعها إلى أن تستوي الطبخة وتعرض مائدة طعام شهية جاهزة للأكل.
وعلى أن العمل الصحافي لا يخلو من توتر وضيق بسبب تأخر مقال أو اعتذار مشارك أو ملحوظة تأتي من هنا أو هناك ويدور حوار طويل في مكتب رئيس التحرير للوصول إلى حل للإشكال الطارئ كانت أسرة التحرير تعيش أجواء محبة ومرح في أوقات مناسبة تبدو فيها الروح الأخرى الجميلة الهادئة المبتسمة والمحبة؛ وبخاصة حين يجتمع طاقم المجلة في أوسع مكتب فيها وتفرش سفرة الغداء عند الساعة الثالثة عصراً ويجلس الجميع القرفصاء على الأرض جنباً إلى جنب؛ رئيس التحرير يمازح رئيس القسم الرياضي، والمحرِّر الاقتصادي يكيد للمحرِّر السياسي (من السودان الشقيق) بدس كمية من الفلفل الأحمر الملتهب أمام يده، حيث يأكل.
وفي هذا الوسط المتناغم ينشر فهد بروحه الطيِّبة وهدوئه الجميل وصوته الخفيض الدعابة في المكاتب ويخفض ما ارتفع من حدة انفعال ويعيد المياه إلى مجاريها حين يشتد الحوار، ولعل هذه الصفات الطيِّبة مجتمعة مع مهنيته العالية هيأته لاحقاً ليكون رئيس التحرير لليمامة ولصحيفة الرياض في وقت واحد بعد أن خلا مكان رئيسي التحرير فيهما.