د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
الله شرع لعباده حج بيته، وجعل ذلك على المستطيع منهم، فقال سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.
والعبادات لم تُطْلبْ من العبد إلا لِيَظهرَ منه التعبدُ لله، والامتثالُ لأمره سبحانه، فلم يُقصدْ من تلك العبادات تحميلُ المسلمِ المشقةَ والعنتَ، بل قد نفى الله ذلك عن دينه، فالله لم يُكَلِّف النفسَ إلا ما تستطيعه، ولم يجعل حرجاً في الدين، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا» رواه البخاري.
وإن مما علِمَه القاصي والداني، والكبير والصغير، وأدركه العالمُ كلُّه «وباء كورونا»، حتى كان من أهم طرق للوقاية منه التباعد عن أماكن الزحام.
وإن من أعظم شعائر الدين التي يرد فيها الزحام بشكل لا يمكن دفعه هو الحج، ولذا أدرك المسلمون المنصفون العقلاءُ الحريصون على سلامة إخوانهم، وعلى صحة أنفسهم، أنه لابد من وضع احترازات وتنظيمات تعود على الجميع بالسلامة في أبدانهم، والعافية في أنفسهم، فرأى القائمون على شؤون الحج في بلادنا المباركة أن يُوضع حد لنسبة الحج هذه السنة، فيكون على عدد محدود، ورقم معدود، دفعاً للحرج، وجلباً للمصلحة، وتحقيقاً لإقامة شعيرة الحج، فيكون لاتخاذ هذا الإجراء مراعاة للمصالح، ودفع للمفاسد.
والمملكة العربية السعودية منذ توليها زمام الأمر، وهي تُولِي الحرمين الشريفين غاية الاهتمام والرعاية، فكم من الجهود بذلتها وتبذلها على كافة المستويات فقد سخرت الطاقات، وذللت الصعوبات، ووسعت الجمرات، وهيأت المشاعر، وقدَّمت عناية واهتماماً وخدمة للحرمين وقاصديهما، عنايةً طِبِّيةً، وأمنية، وخدمية، حتى غدا الحج من التيسير والسهولة ما لا يعلمه إلا الله، فالأعينُ بتلك الخدمات قارةٌ، والخيرات على الحرمين بفضل الله دارةٌ.
ومن العناية المبذولة هذه السنة، والمنطلِقة من الحرص التام على سلامة المسلمين: تقليص الأعداد لقاصدي الحج، وضبط ذلك وقصره على نسبة محددة، ولكم أن تنظروا لو فتح الباب كالعادة وقصد الحج من هو مصاب، واختلط بالناس ثم عاد الحجاج إلى بلادهم وقد حملوا إلى بلادهم المرض! فكم من الأضرار ستحصل؟ وكم نسبة المرضى ستكون؟ وكم من الأنفس ربما تموت؟ والله يريد بنا اليسر لا العسر، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}.
والمسلم يدركُ بنيته الأجرَ، بل مجرَّدُ الهمِّ لفعل الخيرات يكسب المسلمَ الحسناتِ، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً» متفق عليه.
فمن كان ناوياً الحج هذه السنة فحبس لأجل هذا الوباء، فإن الأجر بإذن الله له مكتوب في صحائف حسناته.
وعلى المسلمين أن يتضرعوا إلى الله في أن يرفع هذا الوباء، ويتوكلوا على مولاهم، ويتوبوا إليه.
ونحن نحمد الله على نعمه، ونشكره عليها، فقد رزقنا نعماً لا تعد ولا تحصى، أمنٌ وإيمان، وعافيةٌ في الأبدان، وسعةُ رزقٍ وراحةُ بالٍ فالحمد لله.
وحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وفتنة.