د. عبدالرحمن الشلاش
تحمل مقالتي اليوم فكرة، لكنها من نوعية الأفكار التي لا يستحسن بعض القراء تكرار الكتابة حولها والسبب أنها تدخل ضمن ما يسمى بالكتابة عن التجارب المعاناة الذاتية التي قد يرى البعض أنه غير مهموم بها، وأنه يرغب أن تكتب له عن الشأن العام.
رغم ذلك في مناسبات كثيرة كانت تراودني فكرة الكتابة عن معاناة الكاتب عند التفكير في كتابة مقالة، ولعلي أرغب هنا في إشراك القارئ في هم الكتابة ومعضلاتها والصعوبات التي تواجه الكاتب منذ اللحظات الأولى لشروعه في كتابة المقال بداية بالبحث عن فكرة ثم التفكير في طريقة الطرح المناسبة التي ترضي ذائقة القارئ، فلا شيء عند الكاتب يعادل أهمية القراء وتفاعلهم ورضاهم عن فكرة المقالة والأسلوب وطريقة الطرح. أما لماذا أرغب في مشاركة القراء لي في هذا الهم اللذيذ فلأني أدرك أن منهم كثر يشاطرني نفس الهم فنحن كتاب وقراء في نفس الوقت وهم كذلك. عدد كبير من القراء لديهم هواية الكتابة وكثير من الأحيان توجه لي تساؤلات حول كتابة المقالة وما أصعب مراحلها، وما أكبر معضلة تواجه الكاتب؟
كنت أقدم دورة عن كتابة المقالة والتحرير الصحفي. بادرني أحد الأخوة المتدربين بسؤال عن أصعب مراحل كتابة المقالة، أجبته بأنها كلها صعبة بالنسبة للشخص المبتدئ، فالفكرة والأسلوب وطريقة الطرح كلها مجهدة وتحتاج لزمن طويل حتى يتمكن منها، أما الكاتب المحترف فأعتقد أن همه المزمن الحصول على فكرة جديرة بالطرح وإذا عثر عليها أصبحت الكتابة عنها ميسورة وسهلة، وأكدت له أن الأفكار كثيرة جداً لكن المعضلة الحقيقية تكمن بالظفر بفكرة مناسبة زماناً ومكاناً وتستحق الطرح. سألني وما المهارة التي تضمن لي الحصول على فكرة نادرة بالمواصفات التي ذكرت فقلت له مهارة «التقاط الفكرة».
طبعا الأفكار كثيرة كما يعلم الجميع لكن الفن هنا يكمن في اصطياد الفكرة المناسبة من قبل الكاتب صاحب الحس العالي وتقديمها في قالب جذاب يروق للقراء. الجمهور شاهدوا الحدث موضوع الفكرة لكن ربما لم يتمكنوا من الإحاطة بتفاصيله الدقيقة وغير المباشرة فما يراه الإعلامي قد لا يراه المتابع العادي وتبقى المدلولات بالنسبة له رموزاً لتبرز الحاجة إلى مواصفات ومهارات وحس وحسن تقدير مثل سرعة البديهة وحضور الذهن والقدرة على التفسير والنظر من زوايا مختلفة لطرح فكرة تجلب الإدهاش والإعجاب وتصنع الإثارة وتحرض على القراءة والاطلاع، ويعزز الفكرة في الغالب حرص الكاتب على متابعة ما يطرح ومشاهداته الفاحصة ومخزونه الثقافي.
بالنسبة لي واجهتني مثل هذه المعضلة عندما تتزاحم الأفكار الصغيرة في ذهني في وقت واحد وأجد أن معظمها لا يستحق الطرح، وفي أحيان أجدني أمام أكثر من فكرة هامة في وقت واحد لأدخل في نفق المفاضلة بينها وتقديمها حسب الأولوية، وفي ظروف كنت أقف حائراً وكأن كل الأفكار قد انتهت، لذلك لجأت لتسجيل أي فكرة تمر بي في نفس اللحظة حتى لا تضيع وتطير بها الرياح.