علي الخزيم
بات من الشائع التَّمثُّل بنهج أهالي القصيم منذ القدم ومدرستهم بإدارة المال والأعمال، والمثابرة على الجِد والعمل بمجالات التجارة والكسب الحلال المشروع، وعدم استنكاف صغارهم أو المبتدئين عن ممارسة الأعمال التجارية البسيطة، فهذا جزء مهم من منهج مدرستهم، فمن أراد أن يكون تاجراً وثرياً خلال فترة وجيزة فإنه قد يسقط أيضاً ويخسر بفترة مماثلة لزمن توقعاته بالثراء، فهم يُلقّنون أبناءهم طرق الصبر والتحمل ومواجهة المشقة بسبيل تحقيق مآربهم وحيازة المال بالتجارة والاقتصاد، حتى باتت من قِيَمهم وصفاتهم ببلاد نجد، ومن ثم رحلاتهم التجارية عبر الأمصار التي لا زالت مَضرب المثل بالكدح والإصرار والعِصامية، شأنهم شأن التجار العرب ممن أثروا الثقافة العربية والأوروبية وحببوا أهلها بدخول الإسلام.
ومن القدوات بهذا المجال وبمثال يتجدد منه؛ ما قَدَّمه رجل الأعمال عبد الله بن صالح العثيم للبدء بإنشاء مستشفى الكبد التخصصي بالقصيم (قطعة أرض بمساحة مائة ألف متر مربع و15 مليون ريال)، وثمَّن سمو أمير منطقة القصيم هذه البادرة وقدَّم شكره للعثيم نظير هذا العمل الجليل، وليس العثيم وحده من يصنع هذا! فأبناء المنطقة رجالاً ونساءً قد دأبوا على أعمال البر والإحسان، ويضيق المجال عن تعداد الأسماء من بريدة وعنيزة والرس والبكيرية وبقية المدن والقرى، غير أنه مثال كان حاضراً بالذهن، إذ تم مؤخراً وما زال عالقاً بالذاكرة، ثم أن أهل القصيم وإن تَقَدَّموا وتسابقوا فهم جزء من هذا الوطن الطيب الطاهر بعون الله، وهذا يعني أن بقية المناطق تضُم من المواطنين الأخيار مُحبي الخير من يشار لهم بالبنان وتتحدث عنهم المجالس والركبان.
وأصبح معروفاً وواضحاً أن تجار القصيم وإن حازوا الكثير من المال؛ فإنهم خير من يوجهه للأعمال الخيرية الإنسانية، بل إن منهم من لديه سِجِلٌ لا يتحدث عنه أمام الناس يضم قائمة بأُسر متعففة وأخرى غيرها تطلب العون والمساعدة لعجزها عن رعاية أرامل أو مسنين وذوي الاحتياجات الخاصة ونحو ذلك، وأعرف رجل مال وأعمال من القصيم -وأمثاله كثير- لم يعلم حتى أولاده أنه يُعِين مجموعة من الأسر إلَّا بعد وفاته -رحمه الله، وقد يستغرب مثل هذه الأعمال من لا يعرف تاريخ وسيرة العرب والمسلمين ومن ما زالوا على خطى العرب الأماجد، وقد يُصنِّفها كأعمال ارتجالية غير منطقية، وأنها أخطاء قرارات لحظية غير مدروسة! أفلا يعلم مثل أولئك أننا هنا بمملكة العز والعزم والإنسانية قيادة وشعباً نعمل كهذا وأكثر بمنهجية وطرق حضارية راقية مناطها الخير والإحسان؟! هكذا تُكتسب السمعة الحسنة، فاصنعوا المعروف ودعوا خلق الله تشهد لكم عند ربكم سبحانه.
في مدن وقرى عربية وأوروبية كالأندلس وغيرها تجد الآثار والملامح والمسميات العربية؛ ويزول الاستغراب حينما تقودك الجولة إلى لوحة ترحيبية بمدخل إحدى المدن العربية المغاربية تقول مرحباً بكم ببني (فلان) وهي قبيلة عربية معروفة بأنحاء القصيم؛ واستوطن بعض تجارها وبعض الفاتحين هناك ولم ينسوا موطنهم الأصلي أو أهلهم الأوائل، وأحبهم أهل الأرض وتمازجوا معهم لأصالتهم وقيمهم العالية.