عبده الأسمري
تتربع الثقافة على عرش «الذائقة» البشرية وتعتلى منصة «التذوق» الإنساني منها تشع كل اتجاهات «المعرفة» وفيها تنبع كل إبداعات «الأدب»..
تسمو المجتمعات وترتقي بحجم إنتاجها الثقافي.. ولو تعمقنا في التاريخ وولجنا إلى التراث لوجدنا أن «الثقافة» ميزان رقي وكفة ارتقاء وقد كان «الشعر» في عصور مضت منتج بذخ للرثاء والمديح والعاطفة والألم والوصف والخطابة والحصافة والفصاحة وظل منهجاً تعليميًا استخرجت من أبياته كنوز «النقد» ونفائس «البلاغة» وجواهر «البحث».. وظل الفن الأدبي الأول الذي وحد مقامات «النظم» وحدد استقامات «اللفظ» وبدد انتكاسات «الاجتهاد» ليطل بعذوبته ويحل بذائقته مستوطناً «بلاط» الحكام معتلياً منابر «الحكماء» منهياً «معاناة» المظلومين مختصراً خطابات «الشعوب»..
جاءت بعده فنون القصة والرواية والنثر التي هطلت كالمطر على أرض جدباء تشبثت بالتلقين والعلوم المدرسية الروتينية ليظل «الأدب» واحة غناء يرتمي فيها الباحثون عن الجمال واللاهثون خلف الامتثال وصولاً إلى إنعاش «النفس» بذوق الكلمة وانتعاش الروح بتذوق المفردة والبحث عن «فلسفة» تبرمج السلوك إلى عبارات واعتبارات عنوانها «المهارة» وتفاصيلها «الإبداع» ونتاجها الإمتاع.
ولو تمعنا في أهمية الثقافة فقد انتقلت أوروبا من عصورها المظلمة الغارقة في المظالم إلى انفتاح ثقافي مذهل وسريع صنعه فلاسفة الإغريق والرومان الذين ربطوا بين الأدب والفلسفة فكان إنتاجهم «نخبوياً» ودفعوا ثمن «الحضارة» و»المقاومة» بالسجن والتهجير والنفي ولكنهم حولوا «الأدب» إلى منصة دفاعية قاومت سلاطين الاستبداد وكافحت مضامين القمع ليأتي جيل ذهبي ذكي انطلق من حيث انتهى سابقوه حيث أسس للمشاهد الثقافية صروحاً سامقة أنتجت مئات المنتجات الأدبية التي وصلت إلى كل قارات العالم في حلل مترجمة تنوعت بين القصص والروايات وحولت «الظلام» الاستبدادي البائس والديكتاتورية المقيتة إلى تنوير بإشعاع «الأدب» وتطوير بسطوع «الثقافة».
وظلت دوائر الثقافة في تنافس على خريطة العالم عبر مراحل تاريخية وحقبات سياسية ومحطات حياتية مختلفة تفوق فيها العرب في زمن مضى ووصلت آدابهم إلى أقاصي الغرب واقتحمت مناهجهم فغيروا نظرتهم وحولوا وجهتهم إلى البحث عن «الإرث العربي» في مجلدات الشعراء ومساجلات الأدباء حتى أن الحروب الصليبية والهجمات البربرية كانت تستهدف المكتبات ومواقع المعرفة لسرقة الإنتاج الأدبي وتدمير البنى التحتية الثقافية للقضاء عليها كوسائل أبدية ومستديمة للنجاح والتفوق.
للإنتاج الأدبي والثقافي حقوق وملكيات وأسوار وسياجات ممنوع الاقتراب منها أو تجاوزها أو اجتيازها مكفولة بملكية فكرية فردية لصاحب ومالك المنتج في كل الفنون والمتون والشؤون وقد شاهدنا كثيرًا وسمعنا أكثر وعايشنا الوقائع وتشربنا الحقائق من «سرقات» تلبست رداء «الاحتيال» ولبست جلبات «التحايل» وسرقت النصوص وسطت على العبارات وغيرت الاقتباسات وصادرت الخصوصيات ووضعت «البصمات السوداء» المقيتة على «حصيلة» السطو والسرقة مجيرة بأسمائهم البائسة ومذيلة بتواقيعهم البئيسة.
هؤلاء «اللصوص» بيننا وهم جزء من أعداء «الفكر الثقافي» ومن زبائنة «الوهم الأدبي» ومن سدنة الاعتداء الفكري وقد تفاجأ العديد من المثقفين بحبائل «مكرهم» ومصائد «حيلهم» حيث سطو على حقوق الغير ومؤلفات الآخرين وما أعظمها من سرقة عندما تصل فيها «دناءة» النية ورداءة «السلوك» إلى التعدي على قصائد أو نصوص أو مقالات أو عبارات أو اعتبارات ليست من أفكارهم ولا تنتمي إليهم ولا ينتمون إليها ولا يرتبطون بها وما «أجبن» الفعل عندما يتفوهون بها في محفل أو يسطرونها في منصة.
هنالك ضوابط وقوانين وأنظمة في معظم البلدان تضمن عدم المساس بحقوق الآخرين الأدبية ولكن المخجل والمؤلم أنها لم تردع هؤلاء «الخونة» عن ممارسة سرقاتهم ومواصلة الاحترافية في تغيير خطط السرقات الأدبية بقص غير كامل ونسخ غير مكتمل أو بتبريرات تدعو للسخرية عن تشابه الأفكار أو أعذار مؤسفة تزيد الأمر سوءًا واستياءً..
الثقافة معنى احترافي ومغنم معرفي خاضع لأصول أخلاقية ونابع من أسس أدبية يجب حمايته من هجمات «اللصوص» وتنقيته من غارات «السارقين» ووضع «النصوص» في حصون «مشيدة» من الأمان في كنف صاحبها وقائلها ومؤلفها وكاتبها وفي عقر داره لأنها هديته وعطاؤه إلى مجتمعه وعالمه وكيانه وأتمنى أن نرى «تشهير» يردع المتورطين في السرقة و«تجريم» يؤدب المدانين في السطو.. ولتكن ثقافتنا عصية مستعصية على «حرامية» الأدب و«فقراء» الذوق و«عديمي» الذمة.