عطية محمد عطية عقيلان
يحتاج المزارعون خاصة في الماضي إلى عدد كبير من الفلاحين عند موسم الحصاد (الحصيدة) وهي وقت قطف أو جني الثمار، وهي عمل جماعي يحتاج إلى رفقة وتعاون وجهد، وعادة تحتاج إلى أيام وليالي وأوقات طويلة يقضيها هؤلاء مع بعضهم البعض ولكي يؤنسوا لياليهم ووقت العمل يتداولون القصص والحكايات وأحيانا الغناء وكان يبرز بعضهم في الوصف وحبك القصص والأخبار وكانت لا تؤخذ هذه الحكايات على محمل الجد حتى عند استدلال أحدهم أو الاستشهاد بقصة أو خبر غير صحيح كان يطلقون عليها (سوالف حصيدة) أي لا تتعدى سوى التسلية والحبكة المنمقة دون حقيقة أو مصداقية، ونحن مشهورون بتأليف القصص والحكايات حتى عند النقل نظيف لها البهارات التشويقية اللازمة وكما يقال كل شيء ينقص بالنقل إلا الكلام يزيد وبرغم عدم صدقها أو جديتها إلا أننا للأسف نتداول بعضها وكأنها مسلمات رغم عدم واقعيتها والمبالغة الواضحة فيها، وتطورت سوالف الحصيدة في حياتنا وظهرت بعدة أشكال وألوان متعددة حسب التطور الذي نمر فيه، فانتقلت إلى الراديو والتلفزيون وكتاب القصص والروايات والجرائد والسينما ومختلف الوسائل الإعلامية وأصبحت سوالف الحصيدة تؤثر في وعي وإدراك الناس مع التكرار وغدت هذه وسائل الإعلام التقليدية فن تقام لها المعاهد وأقسام في الجامعات وبها عاملون ومحترفون، إلا أن كثيرا من طرحها رغم تأثيره خاصة في السينما والمسلسلات لا يتعدى سوالف الحصيدة مع الفرق أنها باتت تؤثر في الناس فعلى سبيل المثال رأينا الأفلام الأمريكية التي تمجد المحارب ورجل الأمن الأمريكي وتظهره دائما بالخارق والقوي والشجاع حتى غدت نمطا مرتبطا به رغم عدم واقعيته في كثير من الأحيان. وللأسف نمارس في حياتنا إصدار الكثير من الآراء والتعليقات والأحكام على قرارات وإنجازات الآخرين والدول، ونرتكب الكثير من الأخطاء فيها لأننا غلبنا فيها الهوى والميول واعتمدنا على مقولات وإحكام من نثق فيهم (رغم تكرر خطئهم وافترائهم) مع أن الحقائق أو المعلومة تكون غالبا أمامك ومتاحة إلا أننا نصر بتبني روايات أخرى مختلفة، رغبة في التميز والتغريد خارج السرب أو لأن الحقيقة ليست على هوانا فنصدق سوالف الحصيدة رغم وضوح كذبها على الحقائق الجلية أمامنا.
لنتنبه جميعا عند التعامل مع ما نراه ونتابعه في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي ونتذكر أنها في كثير من الأحيان لا تتجاوز (سواليف مجالس أو سوالف الحصيدة) والتي تقال لتمضية الوقت والتسلي فلا تتفاعل معها بحماس وواقعية وكأنها حقيقة مطلقة خاصة عندما يضاف لها وصف أنها عبارة عن طرف علم أو مصدر مقرب أو واحد في الاجتماع كان موجودًا، بل ابذل قليلا من الجهد من مصادر موثوقة لتتأكد من مدى صحتها، ولنتذكر أن بعض الأفلام محبك القصة والأداء والتقنية إلا أنه في النهاية مجرد فيلم صنع لينال إعجابنا ويشد اهتمامنا إلا أن علمنا المسبق أنه فيلم وقعه علينا أقل تأثيرا لأننا وضعنا حواجز دفاعية في عقولنا لذا نرى تكرارا لبعض الآراء في الأفلام والمسلسلات لتزعزع هذه الدفاعات وتنجح أحيانا بفعل التكرار، حتى في المجال الفني عند تناول قصص حقيقية أو تاريخية أو سيرة ذاتية لأشخاص يتم إضافة الكثير من الأحداث والقصص بدوافع درامية المهم أن تحقق الهدف للجهة المنتجة في تقديم هذه الشخصية أو تلك الأحداث. لذا لنحرص على تقييم الأخبار والقصص والآراء كما كان يفعل المزارع قديما من خلال الحساب على ما تم تحصيله ووضعه في البيدر (وهو المكان المخصص لجمع المحصول) لأنه هو الحقيقي بعيدا عن سوالف الحصيدة التي تمزج كثيرا من الخيال والمبالغة وقليلا من الواقع.