عبدالعزيز السماري
يعتقد المرضى أن ممارسة الطب مبنية على الأدلة والعلم النزيه، و يُفترض أن الأطباء وغيرهم من المهنيين الصحيين يصفون العلاجات والأدوية وفقًا لنتائج الأبحاث والتجارب السريرية التي تثبت أن هذه العلاجات تعمل، وأن الممارسة الجيدة للطب تنطوي على الموازنة بين مخاطر العلاج وفوائده، وأيضاً إخبار المرضى بهذه المخاطر والفوائد حتى يتمكن المرضى من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن صحته.
لكن ماذا يحدث عندما تكون قاعدة الأدلة فاسدة، فقد يُضلل الأطباء والمرضى على حدٍ سواء للاعتقاد بأن هناك فوائد أكثر ومخاطر أقل مما هو عليه الحال في الواقع، حيث يتم تمويل معظم الأبحاث الطبية من قبل شركات الأدوية، وهذا يخلق تضاربًا في المصالح حيث يتم تصميم عديد من الدراسات والتجارب السريرية عن قصد لجعل الأدوية تبدو جيدة من خلال المبالغة في الفوائد وتجاهل الآثار الجانبية، حتى عندما تكون شديدة.
أحد الطرق الأساسية التي تستخدمها صناعة الأدوية للتلاعب بقاعدة الأدلة أن يُكلف موظفو شركة الأدوية بتصميم دراسات من شأنها أن تجد تأثيرًا إيجابيًا على أدويتهم - وهي عملية يمكن أن تنطوي على عديد من طرق البحث غير الأخلاقية أو المثيرة للجدل.. حيث يتم دفع مبالغ كبيرة للأطباء المهمين في صناعة القرار ليكونوا استشاريين ومتحدثين للشركات، ويمكن أن تصل هذه المدفوعات إلى مئات الآلاف - حتى ملايين - من الدولارات سنويًا، مما يحول المسألة إلى عمل تجاري بحت وتبادل منافع خاصة، ولو كان ذلك على حساب المريض.
هناك مشكلة أخرى هي أن المجلات الطبية وعملية مراجعة الأقران، التي من المفترض أن يكونوا حراساً للعلم، لديها أيضًا تضارب خطير في المصالح، فالعديد من الأطباء والباحثين الذين يقومون بمراجعة الأقران هم أيضًا استشاريون تحت مدفوعات شركات الأدوية. علاوة على ذلك، يأتي جزء كبير من دخل المجلات الطبية من بيع «طبعات» المقالات لشركات الأدوية لتوزيعها على الأطباء.
المحرر السابق للمجلة الطبية من الدرجة الأولى، لمجلة نبو إنجلند الشهيره، مارسيا أنجيل، كتب كتابًا وعديدًا من المقالات الافتتاحية حول هذه المشكلة، لذلك من الممكن أن تكون التجارب السريرية متحيزة حسب التصميم وبخلاف ذلك يمكن استخدامها لتوفير معلومات غير موثوقة.
ما حصل في تجارب الأدوية في وباء كورونا يدخل في هذا السياق، فالهدف كان واضحاً، وهو تشويه الدواء الأكثر فعالية والأرخص من أجل مكاسب مادية على حساب الوفيات، وكان نتيجتها أن فقدت تجارب الأدوية مصداقيتها، وأثر ذلك على البرامج الحكومية لمحاربة الوباء بأفضل الطرق.. ومن خفايا الدراسات العلمية غير المنحازة كما يقولون، أن الدلالة الإحصائية تستخدم فرقًا إحصائيًا ضئيلاً بين مجموعتين (واحدة على الدواء، وواحدة تتناول الدواء الوهمي) للإشارة إلى أن الدواء فعال - حتى عندما يترجم إلى تغيير لا معنى له سريريًا.
ما حدث من ضجيج إعلامي حول هذا الفساد العلمي قد يغير بعض من المعادلة في المستقبل، وهو أن الدول يجب ألا تأخذ نتائج الدراسات العلمية بشكل أعمى، فالشيطان المادي موجود في التفاصيل، لذلك لا بد من تأسيس مركز وطني للأبحاث غير المنحازة لإعادة تقييم الدواء قبل طرحه للتداول، وأن تكون هناك مراقبة شديدة على مداخيل القائمين على هذه الدراسات، فالشيطان قد يجد منفذه للوصول إلى مآربه..