د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
إن الوعي ليس حكرًا على الدول المتقدمة والقوية، فيما إرادة الشعوب قادرة على النهوض بأوطانها خصوصًا في ظل التحديات والصدمات التي أصابت الاقتصاد في ظل مرور السعودية بأكثر من صدمة إلى جانب صدمة كورونا تعرضت لصدمة انخفاض أسعار النفط بأكثر من ثلثي قيمة برميل النفط خصوصًا أن إيرادات الدولة ما زالت تعتمد على إيرادات النفط بنحو 70 في المائة.
نحن في عالم جديد في زمن كورونا تمامًا، عالم دعم الحكومات، فقدمت السعودية حزمة الدعم الحكومي المقدم للقطاع الخاص منذ بداية جائحة كورونا المستجد لتعويض التأثيرات الاقتصادية للجائحة على المدى القصير.
الدولة مستمرة في اتخاذ القرارات الضرورية لحماية المواطنين والمقيمين والاقتصاد بشكل مبكر للحد من تفاقم الأزمة وتبعاتها، فالأزمة العالمية تسببت في ثلاث صدمات للاقتصاد السعودي كل منها كفيل بإحداث تغيير مؤثر في أداء المالية العامة واستقرارها، اختارت الدولة أقل تأثيرًا في المواطن دون المساس براتبه بإيقاف بدل غلاء المعيشة بدءًا من يونيو 2020 ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5 في المائة إلى 15 في المائة بدءًا من الأول من يوليو 2020، فيما هناك دول في العالم تتبع ضريبة الدخل تصل إلى 54 في المائة في بلجيكا وأقلها في الولايات المتحدة نحو 24 في المائة.
وهناك قطاعات معفية من الضريبة إما كليًا أو جزئيًا مثل القطاع المالي وقطاع الإيجار السكني إضافة للقطاع الصحي وقطاع التعليم اللذين لا يخضعان للضريبة بحال كانت الخدمات مقدمة لمواطنين سعوديين وهي إجراءات تستهدف حماية الاقتصاد الوطني لتجاوز أزمة جائحة كورونا المستجد وتداعياتها المالية والاقتصادية بأقل الأضرار الممكنة بهدف توفير مبالغ مالية بجانب الاقتراض من الداخل والخارج لدعم إيرادات الدولة حتى تتمكن من مواصلة مسيرتها حيث بلغت إيرادات الربع الأول من 2020 نحو 192 مليار ريال مقابل نفقات 226.2 مليار ريال وبذلك بلغ العجز 34.1 مليار ريال.
رغم ذلك نجحت السعودية في رمي قنبلة في أسواق النفط بعد 6 مارس 2020 ورفع إنتاجها في الأسواق عندما رفضت أن تكون السعودية الدولة المرجحة سواء في رفع الإنتاج عندما ترتفع أسعار النفط وخفض الإنتاج عندما تنخفض أسعار النفط، مما اضطر العالم إلى عقد اجتماع أوبك بلس، أدى إلى تحسن الأسعار وستظل السعودية المنتج الأقل تكلفة للنفط والأكبر والأخير.
إلى جانب تقديم حزم تحفيزية تم ضخها لدعم القطاع الخاص، ولم يسجل الاقتصاد السعودي نتيجة تلك الجهود تراجعًا سوى 1 في المائة خلال الربع الأول من العام الجاري ليبلغ 654 مليار ريال مقارنة بنحو 660.7 مليار ريال في الفترة نفسها من عام 2019، ولم ينخفض القطاع النفطي سوى بنحو 4.6 في المائة، فيما نما القطاع غير النفطي رغم الجائحة بنحو 1.6 في المائة نتيجة ارتفاع القطاع الخاص بنحو 1.4 في المائة والقطاع الحكومي بنحو 1.9 في المائة، حيث شكلت مساهمة القطاع غير النفطي من الناتج المحلي الإجمالي 59.2 في المائة مقابل 57.7 في المائة في الربع الأول من 2019.
وتركز رؤية المملكة على استهداف رفع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 65 في المائة بحلول عام 2030، فيما حصته في 2019 تبلغ 40.7 في المائة من الناتج، لذلك دعمت الدولة هذا القطاع في ديسمبر 2016 بنحو 200 مليار ريال بقروض طويلة الأجل، ومنذ 2019 تحملت الدولة المقابل المالي على العمالة الوافدة في القطاع الصناعي ويمتد ذلك إلى خمسة أعوام، ومطلع 2019 أطلقت مبادرة الفاتورة المجمعة التي استفادت منها 364 ألف منشأة بما قيمته 11.5 مليار ريال تمثل السداد أو الإعفاء من فروقات المقابل المالي لرخص العمل حسب الالتزام بنسب معينة من التوطين.
وفي زمن كورونا قدمت الدولة حزمًا تحفيزية ضخمة للقطاع الخاص أبرزها 50 مليار ريال للمؤسسات المالية والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى حزمة أولى أعلنتها وزارة المالية بنحو 70 مليار ريال تمثلت في إعفاءات وتأجيل بعض المستحقات الحكومية، بجانب تحمل الدولة من خلال نظام ساند 60 في المائة من رواتب موظفي القطاع الخاص السعوديين بقيمة تصل إلى تسعة مليارات ريال، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 في توطين الصناعات الوطنية من خلال دعم القطاع الخاص.
بل الأزمة الحالية ستقوي من توجهات رؤية المملكة 2030 في توطين الصناعات الوطنية، فدائمًا الأزمات تشكل نقطة تحول في العالم نتيجة ما تفرضه من قواعد جديدة على حركة الحياة وبالتالي تدفع إلى تغيير مساراته واهتماماته التي تتواءم مع الرؤية التي ستسارع في تحقيقها.