د.عبدالله بن موسى الطاير
في فاتحة الصفحة المخصصة للانتخابات الأمريكية 2020 وضعت صحيفة نيويورك تايمز ما نصه «بفضل الإيذاء الذاتي، وصل الرئيس ترامب إلى الحضيض السياسي، ويواجه إمكانية ليس فقط الهزيمة ولكن الإذلال هذا الخريف». هذا التشفي ليس بمستغرب على الصحيفة التي ناصبت الرئيس العداء منذ اليوم الأول له في السلطة.
عدد من المواقع التي خصصتها وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى لرصد أثر الحملات الانتخابية، ومتابعة المتغيرات السياسية والتحالفات الحزبية لحظة بلحظة من خلال الاستطلاعات تقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن بحوالي 11 نقطة في بعض الاستطلاعات على الرئيس ترامب. وبتنزيل ذلك على خريطة الناخبين الكبار فإن ترجمتها تعطي حتى الآن 231 صوتا من أصل 270 للمرشح الديمقراطي بايدن، و 201 صوتا للرئيس ترامب.
أغلب ولايات الوسط والجنوب التي صوتت للرئيس ترامب سوف تصوت له مجددا، غير أن ولايات صوتت لترامب عام 2016م؛ مثل فلوريدا (29)، وأريزونا (11)، وشمال كارولاينا (15)، وويسكنسن (10)، ومشيجان (16)، وبنسلفانيا (20)، لم تحسم حتى الآن إلى أي المرشحين ستصوت. مجمل الأصوات المتأرجحة حتى الآن 101 صوت، يحتاج الرئيس منها 69 صوتا، ويحتاج بايدن 39 صوتا للفوز بالرئاسة. التنافس الشديد يكون في فوريدا، وهي التي عطلت نتيجة انتخابات عام 2000 عدة أسابيع قبل أن تحسمها المحكمة الدستورية لصالح المرشح الجمهوري جورج بوش الابن، بيد أن عراب تلك الموقعة روجر ستون يقبع اليوم خلف القضبان لقضاء حكم بالسجن مدته 20 شهرا، وقد كان سنداً لا يتكرر للرئيس ترامب في حملته الانتخابية عام 2016م، حتى بعد إبعاده رسمياً من الحملة، فلا أحد يجيد ألعاب الانتخابات القذرة التي تجري خلف الكواليس مثله. إذا فلا غرابة أن يستميت الحزبان على أصوات هذه الولاية التي يحكمها الجمهوري رون ديسانتس، وصوتت مرتين متتاليتين (2008-2012) للرئيس الديمقراطي باراك أوباما وجو بايدن.
بدون شك أن استطلاعات الرأي فقدت، إلى حد كبير قيمتها منذ الانتخابات الرئاسية الماضية، حيث كانت الاستطلاعات تشير صبيحة التصويت إلى تقدم هيلاري كلينتون بواقع 85% على الرئيس ترامب، لكن المساء قلب كل التوقعات وفاز ترامب بالرئاسة. ومع فقدان الثقة في الاستطلاعات فما زالت هي المؤشرات الوحيدة التي تقدم علامات كاشفة على طريق المرشحين إلى 4 نوفمبر من هذا العام.
الرئيس ترمب راهن على الاقتصاد ونِسب التوظيف المرتفعة منذ دخوله البيت الأبيض، ورتب أموره حتى مع قادة الدول المنافسة لدعم الاقتصاد الأمريكي ليكون رافعته للفترة الرئاسية الثانية، لكن الظروف القاهرة التي جاء بها كوفيد-19 ضربت الرئيس في مركز قوته وهو الاقتصاد، إضافة إلى ما يصمه به الديمقراطيون من عدم قدرته على إدارة أزمة الفيروس والفتور الذي أصاب علاقته بتويتر، وشبكات التواصل الاجتماعي عموما وما تتخذه تلك الوسائل من رقابة صارمة على المحتوى، ويتوج الرئيس كل متاعبه بإذكاء حروب ثقافية في خطبه الانتخابية، خاصة بعد مقتل جورج فلويد، وكأنه قد حسم أمره بالتوجه لجمهور محدد من الناخبين.
هناك إجماع على أن الرئيس يواجه مصاعب في طريقه للفترة الثانية، وهناك مخاطر على فقدان الجمهوريين لمجلس الشيوخ أيضاً، وهو ما يؤرق الحزب. فخسارة البيت الأبيض تخففها بقاء أغلبية الشيوخ بيد الجمهوريين، أما خسارتهما معا فستكون ضربة موجعة لهم. ومع هذا الإجماع فما زال أمام المرشحين أربعة أشهر، وكما يقول خبراء الحملات الانتخابية هناك مليون طريقة للخسارة، ولذلك فإن بايدن ليس محصنا من السقوط في أية لحظة وبخاصة في المناظرات التلفزيونية أمام البلدوزر ترامب.
أخوف ما يخاف الديمقراطيون على مرشحهم في مواجهة ترامب أمام الكاميرا رؤيته المثالية للسياسة الخارجية، تلك التي تقوم على الإيدلوجيا أكثر منها على المصالح، في حين أثبت لهم الرئيس ترامب أنه رجل صفقات يسمي الأمور بمسمياتها، وتمكن من تسييل المبادئ التي ترفع أمريكا شعاراتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في صفقات تدر على الاقتصاد الأمريكي مليارات الدولارات.
ستة عشر أسبوعاً سوف تتمخض عن مفاجآت، فشخصية الرئيس ترامب لا تقبل الهزيمة، وهو يعرف جيداً أن هزيمته ستعني إهانة قد لا يتقبلها بروح رياضية، كما أن من بين الموالين له أتباع على كامل الاستعداد للموت من أجل ترامب وأفكار ترامب ومعتقداته.