عمر إبراهيم الرشيد
يقول علماء الاجتماع إن العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية هي قوانين غير مكتوبة، يخضع لها الغالبية من المجتمع ويطبّقها طواعية دون كثير جدال. من هذه العادات والتقاليد طريقة التحيَّة والسلام، فلكل مجتمع عادته وعرفه في ذلك. وودت هنا أن أشارككم بعض خواطري في هذه المسألة عندنا كسعوديين وكجزء ومكون للمجتمع العربي الذي يشترك معظمه في طريقة التحية. وأقول بدءاً وكما تعلمون بأن هذا الوباء العالمي قد يحدث تغييرات عديدة في عدة ميادين وليس في المجال الاقتصادي أو الطبي فقط. ومع التحذيرات والإرشادات التي تتلقانا بها وسائل الإعلام والتواصل وعلى مدار الساعة عن محاذير التقارب والاختلاط أو المصافحة والسلام، أخذ الناس تلك التعليمات على محمل تأثيرها وتجنبوا ما اعتادوا عليه منذ قرون، وفي الحقيقة أن هذا التغيير قد يترك تأثيرات اجتماعية في المنظور البعيد بعضها إيجابي والآخر سلبي لا قدَّر الله. فمن السلبي اعتياد - البعض ولا أقول الكل - على العزلة وتجنب المناسبات الاجتماعية والتواصل الحقيقي مع الأقارب والأصدقاء، بعد تطبيق فترات الحظر الماضية منذ بدء انتشار الوباء العالمي -أعاذكم الله من شره-. عدا عن تأثيرات تلك العزلة والحظر على فئة من الناس نفسياً، أما نتيجة لعلل كامنة لم تظهر من قبل أو لعدم استغلال الوقت في المنزل بالطرق المأمولة.
إنما في كل أزمة فرص للتغيير الإيجابي، بل ومكاسب لا تظهر مباشرة سواء للفرد أو الناس ولكل محنة منحة كما يُقال، وحقيقة الأمر أن طريقة تحيتنا ومبالغة البعض بها أقل ما يُقال عنها أنها غير صحية وربما تنقل العدوى لأكثر من مرض، وإني أشفق على أصحاب المناسبات مثل الأعراس من صفوف المهنئين التي قد تصل أعدادهم إلى المئات وأكثر، إنما يزداد تعاطفي وشفقتي على أصحاب العزاء لوضعهم النفسي المختلف والذي لا يراعيه معظم الناس بكل أسف، فالإصرار - ولو بحسن نيَّة - على تقبيل المعزى وهو في هذا الوضع النفسي من الحزن ولوعة الفقد يزيد من معاناته. وهنا تعجبني طريقة التعزية في منطقة الحجاز والشام وليتها تبدأ بالانتشار عندنا، إذ يضع المعزي يده على صدره أمام من يتلقى التعزية إشارة إلى التعزية والتعاطف ولا يصافحه، وهي طريقة فيها من النبل وتجنيب المعزى الكثير من العنت. وأما طريقة السلام فأجملها عربياً في رأيي هي طريقة إخوتنا السودانيين، وهي الطريقة العربية القديمة في الاحتضان الجانبي، أي الكتف على الكتف أو الاحتضان الكامل حسب علاقة الطرفين، وهذه طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة ومجتمع الجزيرة العربية قديماً، وإن حدث تقبيل فيكون على الجبين وحسب المناسبة وعلاقة الطرفين كما قلت. ولا أقول هنا بحتمية توقف طريقتنا هذه كلياً، فهذا صعب المنال إن لم يكن مستحيلاً، وإنما بمراعاة التخفيف منها أو استبدالها بالإشارة أو المعانقة كما قلت.
هل تتغيَّر طريقة سلامنا وتحيتنا؟ هو تساؤل وما أنا إلا فرد في هذا المجتمع الطيب، وحذار من الخلط بين طريقة التحيّة وهي التقبيل -وهي مقصدي هنا- وتحيتنا الإسلامية اللفظية كما جاءت في الشرع الحنيف وفي القرآن الكريم والسنة المشرّفة {وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} الأنعام. فهذه وللأسف بدأ يطالها الإهمال من البعض في الأمكان العامة فسرى التباعد النفسي بين الناس والذي حذَّر الرسول الكريم المسلمين منه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.