د. محمد عبدالله الخازم
أعلم أن هناك حماساً للتعليم عن بعد وذلك لفوائده المتعدِّدة ومنها الاقتصادية والتقنية. لقد كان الحل الوحيد الذي ساعدنا على تجاوز الأزمة المتعلِّقة بوباء كورونا، رغم ذلك ألفت الانتباه في هذا المقال إلى أنه ليس الخيار الأفضل ولا يجب أن يكون الأساس لتعليم الصغار والشباب، في مدارسنا وجامعاتنا، قدر ما نستطيع..
التعليم ليس مجرد معلومات نوصلها للطالب كيفما اتفق ثم نختبره فيها، بل إنه معلومات وسلوكيات ومهارات. المعلومات يمكن إيصالها عبر التعليم عن بعد لكن المهارات سواء المهنية أو المعيشية أو مهارات الحياة بصفة عامة لدى الصغار والشباب يصعب إيصالها عن بعد وإلا أصبحت مجرد كلام نظري. لا بد أن نعلم أبناءنا وبناتنا مهارات تخصصاتهم ومهارات الحياة الاجتماعية ومهارات العلوم ومختبراتها المختلفة وجهاً لوجه عبر قاعات ومعامل وورش وممرات وملاعب المدارس والجامعات.
السلوكيات والمهارات الناعمة المتعلِّقة بالتواصل وتقدير البيئة وتقدير الآخر والتفاعل مع الآخر والذكاء الاجتماعي وغيرها مما يصب في هذا الجانب، هي الأخرى لا تدرس عن بعد ولا بد أن تعاش في فناء المدرسة وقاعة الدرس ومطعم الحارة ومكتبة الكلية ومسرح الجامعة بالتفاعل بين البشر ومحيطهم الاجتماعي والبيئي والاقتصادي وغير ذلك.
لقد أشارت جمعية أطباء الأطفال الأمريكية إلى أن بقاء الأطفال والشباب في البيوت عدة أشهر قاد إلى مشاكل سلوكية ونفسية عديدة وقاد إلى عنف واكتئاب وغير ذلك من الظواهر. كما قاد إلى مشاكل صحية بسبب عدم ممارسة النشاطات البدنية المفترضة والمتوقعة من الصغار والشباب. إضافة إلى أنه تسبب في هدر تعليمي ملحوظ. كوننا لجأنا إلى تصعيد الطلاب إلى مراحل أعلى أو ساعدنا في نجاحهم في الجامعات فذلك لا يعني أنهم حققوا كامل الأهداف المقرَّرة في مناهجهم بكافة مكوناتها المعرفية والمهارية والسلوكية.
لن أتهم الباحثين التربويين والصحيين والاجتماعيين في المملكة بأنهم لم يدرسوا هذه الجوانب في بيئتنا المحلية خلال أشهر الأزمة، لكنني أحثهم وأرجوهم نشروا دراساتهم وممارسة مسؤولياتهم في تعريف المجتمع بما توصلوا إليه، حيث المجتمع هو الطلاب وأولياء أمورهم اللذين يفترض أن تبسط لهم المعلومات بشفافية. جمعيات طب الأطفال، العلوم النفسية والسلوكية، التربية، علوم الاجتماع، العنف الأسري، الرياضة وغيرها من المنظمات يفترض أن يكون لهم آراؤهم ومواقفهم العلمية في هذا الشأن، بشكل ينور ويدعم صاحب القرار.
إن اضطررنا للتعليم عن بعد لأسباب صحية قاهرة، فالأمر لله، لكن يجب أن لا يكون ذلك هدفنا لأنه ليس الأفضل في عالم ليس بحاجة إلى زيادة في عزل أفراده. على أنني أستدرك هنا وأقترح بقاء التعليم عن بعد كنموذج مساند في تقديم بعض المواد النظرية، الذاتية التحصيل أو العامة. لقد أشارت دراسات أجرتها أكثر من جامعة أمريكية إلى أن الفصول أقل من خمسين طالباً في الجامعات ستكون مقبولة، مع الاحتياطات. كما أشارت أغلب الدراسات حتى الآن إلى أن كوفيد 19 لا ينتقل بين الأطفال في المدارس وعليه يجب أن نستعد للدراسة الحضورية في التعليم العام، مع أخذ الاحتياطات اللازمة مثل تعليم الأطفال سلوكيات التباعد والعناية الشخصية وغيرها.