تباينت الآراء القانونية حول إلزامية المذكرة التفسيرية (الملحقة بالمادة الـ41 المضافة مؤخرًا إلى اللائحة التنفيذية لنظام العمل)، وأثرها القانوني عند التقاضي. وتمركز محور هذا التباين في هل من صلاحيات الوزير أن يقرر المذكرات التفسيرية؟ وهل تعتبر ملزمة ويجب العمل بها؟ وما مدى إلزاميتها عند التقاضي؟ ولوحظ أن من أسباب هذا التباين أنه جرت العادة على أن من يصدر المذكرات التفسيرية للأنظمة هو المنظم (المشرع)، وتكون مصاحبة للنظام أو بعده. وتستمد المذكرات التفسيرية للأنظمة قوتها الإلزامية من أنها صادرة من المشرع الذي أصدر النظام.
وقبل الشروع في إبداء رأينا القانوني نشير هنا إلى أن صدور الأنظمة يمر بمراحل عدة، تجعل من النظام يأخذ وقتًا أطول في الإصدار مقارنة باللائحة التنفيذية. ويكمن طول هذه الإجراءات في إصدار نظام سليم ومحكم ومتوافق مع النظام الأساسي؛ فمراحله تبدأ من مرحلة الاقتراح من الوزير أو من مجلس الشورى إلى العرض على مجلس الوزراء بصفته السلطة التنظيمية، ويتم فيه دراسته والتصويت عليه مادة مادة قبل الموافقة عليه. وهذا التصويت له شروط عدة، من بينها اكتمال عدد النصاب القانوني للحضور، ويكون اتفاق الآراء بالأغلبية، وبعد ذلك ينتقل النظام إلى مرحلة المصادقة، وهي المرحلة التي يوافق عليه الملك - حفظه الله -، ويتم إقراره بتوقيعه عليه. بعد ذلك ينتقل إلى مرحلة الإصدار ومرحلة النشر للإعلان الذي يبيّن الوقت الذي يبدأ العمل به.
ومن أجل إعطاء المرونة وسرعة اتخاذ القرارات للوزارات منح المنظم صلاحيات للوزراء لإصدار قرارات لتنظيم وتسيير أعمال الوزارة في الوقت والظرف الذي يحتاج فيه لإصدارها. وتخضع تلك القرارات لتقدير الوزير حسب ما يراه مناسبًا للظرف والحالة والوقت بما يكفل الاستجابة السريعة للتطورات والأحداث، وفي حدود الصلاحيات الممنوحة لهم. فنجد أن من الصلاحيات الممنوحة للوزراء إصدار اللوائح التنفيذية للأنظمة المتعلقة بوزاراتهم.
واللائحة التنفيذية هي قواعد تفصيلية، تختص بالنظام الصادر من السلطة التشريعية الذي يُعنى بكل وزارة. وهذه اللوائح مقيدة بشروط، هي أن لا تعدل أو تحذف أو تضيف نصوصًا للنظام، وذلك بأن تكون فقط تفصيلية لما احتواه النظام من نصوص.
ومما سبق يتبين أن قرار معالي وزير الموارد البشرية بإضافة المادة الـ41 إلى اللائحة التنفيذية، والقرار الذي تبعها بالموافقة على المذكرة التفسيرية للمادة، يدخل ضمن الصلاحيات الممنوحة له من قِبل المشرع؛ إذ كان الهدف من إضافة هذه المادة إلى اللائحة التنفيذية هو وصف ووضع قواعد تفصيلية للقوة القاهرة الواردة في رقم (5) من المادة الـ(74) لنظام العمل؛ إذ جاء فيها (ينتهي عقد العمل في أي حال من الأحوال الآتية: 5 - القوة القاهرة).
كذلك كان الهدف من قراره بالموافقة على إلحاق مذكرة تفسيرية للمادة الـ(41) هو مزيد من الإيضاح والوصف وبيان الأسباب المتعلقة بهذه المادة؛ لذا فإن إلحاق المذكرة التفسيرية بالمادة هو امتداد للصلاحيات الممنوحة له في هذا الشأن.
فلا يخفى أن المقصود في التفسير هو الشرح والتوضيح والبيان، الذي يتم فيه الكشف عن المعنى الباطن؛ إذ يشرح ويصف المراد تفسيره، مع وضع الأسباب ومناقشة كل التفاصيل من أجل الوصول إلى فهم صحيح ودقيق.
لذا فإن المذكرة التفسيرية للمادة الـ41 تستمد إلزاميتها من إلزامية المادة الـ(41) المضافة إلى اللائحة التنفيذية؛ إذ إنها لم تخرج عن إطار قواعد تلك المادة، وإنما كان الغرض منها الشرح والبيان ووضع الأسباب من أجل الوصول إلى فهم صحيح دقيق للمادة الـ(41).
وتأكيدًا لذلك فقد أعطى المنظم للوزير الصلاحية لاتخاذ الإجراءات التي من شأنها تحسين سوق العمل؛ إذ نصت (المادة الحادية عشرة مكرر) من نظام العمل على ما يأتي:
(مع عدم الإخلال بأحكام هذا النظام، وعدم الإخلال بالأنظمة ذات العلاقة، للوزير اتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تكفل تحسين أداء سوق العمل، وتنظيم حركة انتقال الأيدي العاملة).
وكما هو الحال الآن في وقت جائحة كورونا (كوفيد 19) نجد أن أداء سوق العمل يحتاج إلى تحسين واستقرار وتنظيم للعلاقة التعاقدية بين صاحب العمل والعامل، وذلك بوضع قواعد تفصيلية، توضح متى يلجأ إلى إنهاء العقد بسبب القوة القاهرة.
وجدير بالذكر هنا أن المادة الـ41 المضافة إلى اللائحة التنفيذية ومذكرتها التفسيرية لا تختصان فقط بجائحة (كورونا)، وإنما أي إجراء احترازي أو تدبيري اتخذته الدولة أدى إلى تقليص ساعات العمل. ومن خصائص هذه المادة أن العمل بها محدد المدة، وهي فقط ستة أشهر منذ بدء تلك الإجراءات.
وخلاصة القول أن أي مذكرة تفسيرية تصدر من الوزير لتفسير إحدى مواد اللائحة التنفيذية الخاصة بالنظام المعني بوزارته هي مذكرة ملزمة، وتستمد إلزاميتها من تبعيتها لتفسير مادة من اللائحة التنفيذية؛ إذ أعطى المنظم للوزير الصلاحية في إصدار تلك اللائحة، بشرط أن لا تخالف المذكرة التفسيرية اللائحة التنفيذية، ولا تخالف النظام أو الأنظمة ذات العلاقة.
** **
سلطان سليمان الحربي - محامٍ ومستشار قانوني
s.s.m.a@hotmail.com