مشاعل القاضي
مما لا شك فيه أن أزمة كورونا أثَّرت على العلامات التجارية بشكل كبير جداً، خصوصاً تلك التي تناقص الطلب على منتجاتها وخدماتها في ظل الجائحة. أما الشركات الأخرى التي ما زال الطلب عليها قائماً فقد شهدت تغيراً كبيراً في سلوك المستهلك أثناء الشراء واتخاذ القرارات التي تخص المنتج أو الخدمة. هذه التغيّرات خلقت تحديات جديدة في السوق، ومن المهم جداً للشركات أن تستمر في دراسة وتقييم سلوك المستهلكين طوال فترة الأزمة.
ما نعرفه على وجه اليقين أن هذا الوباء سيتسبب بحدوث تغييرات جذرية في طريقة تفكير المستهلكين وقرارات الشراء الصغيرة منها والكبيرة، وسيحتاج المسوّقون للاستجابة السريعة وفهم نوعية هذه التغيّرات. أفضل طريقة لذلك هي دراسة وتحليل هذه السلوكيات ضمن ما حصل في الماضي في أوضاع مشابهة حتى تتمكّن الشركة من توقّع السلوك المستقبلي.
نلاحظ اليوم تشاؤماً كبيراً من قِبل المستهلكين في الاستثمار في بعض القطاعات أو اقتناء بعض المنتجات التي لم تعد تمثّل احتياجاً أساسياً، ونستطيع أن نتنبأ بأن المستهلك سيقوم بإعادة ترتيب الأولويات وقد يشمل ذلك قرارات الشراء للعلامات التجارية ذات القيمة العالية، ومن المتوقّع أن يستمر ذلك حتى تعود الأوضاع الطبيعية ويبني العميل وضعه المادي من جديد.
من الصعب في الوقت الحالي تحديد ماهية التغيّرات التي ستطرأ على سلوك المستهلك، حيث إننا لا نزال نشهد تغيّرات مستمرة في كل مرحلة وهذا سيتطلب دراسات وأبحاثاً مكثفة خلال وبعد انتهاء الأزمة للتوصل إلى نتائج دقيقة، لكن بإمكاننا تحديد مسار هذا التغير ومتابعته في بعض السلوكيات.
أفضل طريقة للتتبع هي من خلال تجميع المعلومات والبيانات الخاصة بسلوك العملاء في الوقت الراهن. ويعد ذلك أمراً هيناً لتوفر البيانات بشكل كبير نظراً لاستخدام العملاء للمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي لإجراء الطلبات، التعبير عن احتياجاتهم، أسئلتهم واستفساراتهم المتكرِّرة، وشكواهم من بعض المشاكل التي تخص الخدمات أو المنتجات. وهذه ميزة مهمة جداً على أصحاب المشاريع والشركات استغلالها لإنشاء قاعدة بيانات بسلوك المستهلكين وتقييم التغيّرات باستمرار.
ما شهدناه في الشهور السابقة يبين لنا ارتفاعاً كبيراً في إقبال المستهلكين على شراء المؤونة المنزلية التي تؤمن لهم حاجتهم من الغذاء، حيث فضّلت معظم الأسر أن تقوم بالتخزين لحالات الطوارئ وحظر التجول. في المقابل فإن هناك انخفاضاً في الإقبال على شراء السلع الكمالية خصوصاً تلك التي لن تستخدم بشكل أساسي في فترة الحظر.
كما أننا نشهد إقبالاً عظيماً على المتاجر الإلكترونية بعد أن أصبح الخروج من المنزل غير متاح إلا للضرورة، وقد شهدت المتاجر الإلكترونية ضغطاً كبيراً على مخازنها وقدرتها على توفير المنتجات، في حين أن بعض متاجر التجزئة التي اعتمدت في السابق على التواجد في السوق دون إنشاء موقع إلكتروني للتبضّع قد عانت من خسارات هائلة، بل وصل الأمر إلى الإفلاس في بعض الصناعات. نلاحظ هنا أن أزمة كورونا لها تأثيرها على الشركات في تطوير إستراتيجياتها والتركيز بشكل أكبر على التسويق والتجارة الإلكترونية، فقد بحثت معظم الشركات عن طرق جديدة للتعامل مع المتاجر الافتراضية على الإنترنت وتصرفت سريعاً لإنشائها من أجل إرضاء العملاء مستقبلاً حتى بعد الأزمة.
كما ظهرت لنا فرص تسويقية جديدة، على سبيل المثال استغل ريادي الأعمال الفجوة التي ظهرت في السوق بعد ازدياد الطلب على تطبيقات التوصيل مما أدى إلى تعطّل بعضها بسبب الضغط، فصنعوا بذلك تطبيقات جديدة لسد الحاجة في السوق. لاحظنا أيضاً ابتكار المشاريع لطرق جديدة تضيف ميزة تنافسية وتلبي حاجة العميل في الوقت الراهن، فقدمت بعض الأندية الرياضية اشتراكات عبر تطبيق الانستقرام لمتابعة التمارين اليومية بانتظام، وقام بعض الأطباء والأخصائيين باستخدام منصات التواصل لاستقبال الاستشارات الطبية بينما أنشأ بعضهم تطبيقات خاصة للتواصل بشكل مريح أكثر مع العميل والمتابعة معه.
من المؤكد أن أزمة كورونا ستخلق فكراً استهلاكياً جديداً لدى العميل، ويبقى السؤال الأهم يشغلنا، كيف سيتغيّر سلوك المستهلك بعد انتهاء الأزمة؟ وما هي الإستراتيجيات والحلول التي سيكون لزاماً على الشركات تطبيقها للحفاظ على ولاء ورضا العملاء؟