م. خالد إبراهيم الحجي
لقد اتسمت الأسابيع الأخيرة من شهر إبريل لهذا العام باهتمام عام، وإعلامي مستمر للعاملين في مجال الرعاية الصحية بسبب جائحة كورونا التي ضربت جميع أنحاء دول العالم دون استثناء. وهو مرض وبائي يتسبب حالياً في وفاة الآلاف من المرضى في جميع أنحاء دول العالم.. والبيانات التي قدمتها الدول، التي تتعقب بشكل موثوق وظائف العاملين في مجال الرعاية الطبية المصابين بالفيروس المستجد إلى مسؤولي مراكز مكافحة الأمراض والوقاية، تفيد أن نسبة المصابين في مجال الرعاية الطبية العاملين في الخطوط الأمامية لإنقاذ الأرواح من الفيروس المستجد بلغت نحو 11 %، أي أكثر من 550 ألف مصاباً من بين جميع حالات الإصابة التي بلغت حتى الآن أكثر من 5 ملايين مصاباً في جميع أنحاء العالم، كما تفيد الإحصاءات الرسمية من إيطاليا، وهي إحدى الدول الأكثر تضرراً بالفيروس المستجد، أن عدد الذين توفوا من الأطباء وأطقم التمريض من الفيروس المستجد بلغ حتى الآن 100 طبيباً و30 ممرضاً خلال عملهم في الخطوط الأمامية لإنقاذ أرواح المرضى المصابين من الفيروس المستجد، منذ أن وصل الوباء إلى البلاد في فبراير/ 2020م، حسبما قالت جمعية الأطباء الرئيسية في إيطاليا.
ومجال الرعاية الصحية والخدمات الطبية تمثل أحد ركائز الرأسمال البشري، وهو مصطلحٌ حديثٌ ظهر في نهاية الستينات من القرن الثامن عشر، ويعتمد على الركائز الأربعة التالية: الصحة والخدمات الطبية، والتعليم، والقوى العاملة والبطالة، وبيئة العمل الملائمة.. والرأسمال البشري يمكن قياس قيمته الاقتصادية الحالية، كما يمكن تعزيز قيمته المستقبلية وزيادتها من خلال الاستثمارات الصحيحة لتحسينه وتطويره وتنميته.. وقد خلصت دراسة أجرتها شركة البحث التنفيذي كورن فيري إلى أن قيمة الرأسمال البشري أكثر من ضعف قيمة رأس المال المادي للاقتصاد العالمي، ولكن قادة الأعمال غالباً ما يبالغون في تقدير قيمة الأصول المادية الملموسة، ويقللون من أهمية الموظفين والقوى العاملة في شركاتهم.. والاستثمارات الصحيحة في الرأسمال البشري تأخذ في اعتبارها النظرة المحيطة الشاملة للفترة العمرية لجيل كامل، ابتداءً من التعليم المبكر وحتى التعليم المستمر مدى الحياة؛ وحسب تقرير البنك الدولي عن الرأسمال البشري فإن تحديات تحسينه وتطويره لبعض الدول تبدأ من قاعدة الهرم السكاني، مثل بعض الدول الفقيرة في شبه القارة الهندية التي يقتصر فيها فرص دخول الأطفال لمدارس رياض الأطفال على نسبة 70 % فقط. وفرص حصولهم على الثانوية العامة على 35 % فقط. وفرص حصولهم على التعليم الجامعي على 8 % فقط. وتقل هذه النسبة للأطفال الإناث، وهذه الخسائر المقدرة لفرد واحد. وإذا تم احتسابها لمليون فرد أو أكثر تصبح الخسائر هائلة على كامل المجتمع.. في حين أن الدول الغنية والأكثر شباباً التي غالبية السكان فيها من الشباب الجامعي متوسط أعمارهم بين 25 و30 سنةً، لديها فرص جوهرية حقيقية طويلة الأمد تتجاوز 35 عامًا للاستفادة من إمكانياتهم الكامنة والاستثمار في قدراتهم الممكنة حتى بلوغهم 65 عامًا سن التقاعد.
والرأسمال البشري ليس محصناً من الاستهلاك، وقيمته الاقتصادية معرضة للتناقص والانخفاض، والركيزة من الرأسمال البشري التي تعمل على انخفاضها هي القوى العاملة المحلية من أبناء البلد المقيمين فيه، إذا لم يكونوا مندمجين مستغرقين في أعمال محددة لأغراض هادفة؛ وإذا لم تُلَبي كفاءاتهم العلمية ومهاراتهم المهنية وتجاربهم العملية وخبراتهم الفنية حاجات أصحاب العمل وتتوافق مع متطلبات أعمالهم؛ تنشأ البطالة الهيكلية في سوق العمل بسبب عدم تطابق مهارات العمال مع متطلبات الوظائف من المهارات المتاحة أو عندما يكون هناك تغيير تكنولوجي في بيئات العمل مثل أتمتة العمل.. وإذا لم تتم معالجة مشكلة استهلاك الرأسمال البشري خلال هذه الفترة الراهنة الهامة التي نعيشها وتمثل المراحل الأولى من الثورة الصناعية الرابعة التي تتميز بالمزاوجة والجمع بين الأصول المادية والتكنولوجيا الرقمية، فمن المرجح أن تتفاقم المشكلة مع التقدم في مراحل الثورة الصناعية الرابعة.. وتحديات المستقبل تتمثل في أين ستكون المجموعات التالية من الاستثمارات في الرأسمال البشري لتحسينه وتطويره وتنميته، ليكون قادرًا على تلبية الاحتياجات المستقبلية للقطاعات الخاصة والعامة والمجتمعات المدنية.
الخلاصة:
لقد أثبتت جائحة كورونا أن الرأسمال البشري أكثر أهمية للاقتصادات المختلفة من الأصول المادية.