د.عيد بن حجيج الفايدي
تمتد الولايات المتحدة الأمريكية من الشرق إلى الغرب بطول 4000 كيلو متر ومن الشمال إلى الجنوب بطول 2000 كيلو متر.. هذا الاتساع الكبير جداً يضم تنوعا تضاريسيا ومناخيا وسكانيا من أصول متنوعة بل يمكن القول إنهم يمثلون كل دول العالم. فالمجتمع الأمريكي خليط بشري عجيب من اللغات والأجناس والاتجاهات تحت اسم «أنا أمريكي» ينتشر بينهم شعار التنوع. والفرص والحرية. غير أن هذا المجتمع الأمريكي تعصف به كثير من الأزمات منذ إعلان قيام الولايات المتحدة الأمريكية وحتى اليوم... لكن الأزمة الحالية لم تكن متوقعة بل لم يكن مفهوم الأزمة متداولا قبل مقتل «جورج فلويد». والذي كان يردد بصوت مسموع: لا أستطيع التنفس.. لا أستطيع التنفس. وكأن ذلك الصوت المتقطع يؤكد ظهور مكان جديد للأزمة في بلاد الحلم الأمريكي وبجوار تمثال الحرية وليس بعيدا عن مجلس الأمن الدولي والذي كان مشغولا في معالجة كوارث وأزمات بعيدة عنه وفي مناطق الصراعات المشهورة، فهناك الأزمة الكورية وأزمة فيتنام وأزمة مينامار مروراً بالأزمة الأفغانية والأزمة العراقية.. وأزمة فلسطين إلى غير ذلك من الأزمات التي تنتشر وتتمدد في منتصف خريطة العالم بين خط عرض السرطان وخط عرض الجدي وكأن الأزمات محصورة فيها لكن أن تصل الأزمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ويكون هناك عنوان جديد: الأزمة الأمريكية « متصدرا النشرات الإخبارية والتقارير الصحفية فهذا نادر الحدوث ولم تتوقعه النخب الأمريكية.
وكأن «فلويد» القشة التي قصمت ظهر البعير الأمريكي والذي أصبح عاجزاً ومنهكاً. ويواجه صعوبات كبيرة جدا تجعله يصدر تصريحات مثيرة تزيد من إشعال الأزمه مثل قوله عن كوفيد 19 أنه (هدية سيئة من الصين).
والأزمة الأمريكية مثلها مثل أي أزمة تحدث في أي مكان لها مؤيد ومعارض داخلياً وخارجياً وكل منهم له أهدافه وتوجهاته فهناك من يحاول أن يقتنص الفرصة ويحقق أهدافاً انتخابية. وهناك من يحاول السيطرة عليها ومنهم من يحاول سكب الزيت وزيادة النار في كل مكان والشاهد على ذلك الصور والمقاطع المنتشرة للتقارير الصوتية والمرئية وكل منهم يفسر حسب رأيه ومصالحه ففي وقت الأزمات تتقاطع المصالح وتظهر الوجوه الصديقة أو العدوة ومن متابعة السلوكيات غير النظامية من تحطيم للمستودعات وإحراق للمصالح العامة وتخريب للمنشآت مما ينعكس سلباً على التعامل التجاري وعلى الحياة الاقتصادية الأمريكية والتي شعرت هي بضيق التنفس الاقتصادي وأغلقت فروعها في شوارع نيويورك وكثير من المدن.
و»عدم التنفس» هو العامل المشترك بين صعوبة تنفس جورج. وصعوبة تنفس مريض الكوفيد وصعوبة التنفس الاقتصادي و»فلويد» ليس هو الوحيد الذي لم يتمكن من التنفس بل هناك أكثر من مائة ألف أمريكي لم يتمكنوا من التنفس الطبيعي وفارقوا الحياة بسبب وباء كوفيد 19. المتخصص في وقف التنفس الطبيعي.
وأيضاً هناك أكثر من أربعة - (مليون) أمريكي يعانون من الضيق وصعوبة في التنفس الاقتصادي وشخصيا لا أتمنى ظهور أي أزمة سواء كانت في أمريكا أو في أي مكان آخر.. ولا أتفق مع قول عجوز السياسة الأمريكية «كيسنجر» والذي توقع ظهور أزمة عالمية ثالثة في منطقة الأزمات الشهيرة حيث قال (طبول الحرب تقرع بالفعل في الشرق الأوسط والأصم هو من لايسمعها) وأيضاً قوله (ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تحل أي مشكلة بالعالم, لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط المشكلة. وأن تحرك هذه الخيوط حسب المصلحة) لكن الصواب هو حل المشكلة في أي مكان كانت... قبل أن تتحول إلى أزمة أو كارثة تقضي على الأخضر واليابس... وكما قال الصحفي الشهير -فريدمان- أين نجد قيادة لإنقاذ أمريكا ؟