عمرو أبوالعطا
العنصرية هي مجموعة من الممارسات الخاطئة بحيث يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من الناس بشكل مستبدّ ومختلف وتسلب حقوقهم وتتحكّم بهم بمجرد أنّهم ينتمون لدين ما وعرقٍ آخر، وتُعدّ العنصريّة من الأمراض المتفشية في عصرنا هذا مع العلم بأنهّا موجودة منذ القدم وتسبّبت في تفرقة الناس واندلاع الحروب، فتتعرض الفئة المظلومة إلى أقصى درجات التمييز والتهميش والاستبداد فقط لاختلاف الدين والعرق وحتى اللون وغيرها من الأسس التي وضعها البشر واعتمدوها في تطبيق عنصريتهم كاللغة، والعادات، والمعتقدات، والثقافات، والطبقات الاجتماعية، والتي يتمّ من خلالها سطوة وسيطرة الأغنياء على الطبقة الفقيرة المُعدمة، وللعنصرية مصطلحات أخرى تشترك معها في المعنى والدلالة مثل الاثنية والعرق.
لا تنبع التفرقة العنصرية من البشرة بل من العقل البشري، وبالتالي فإن الحل للتمييز العنصري والنفور من الآخر وسائر مظاهر عدم المساواة ينبغي، أولاً وقبل كل شيء، أن يعالج الأوهام العقلية التي أفرزت مفاهيم زائفة، على مر آلاف السنين، عن تفوق جنس على آخر من الأجناس البشرية. ففي جذور هذا التعصب العرقي تقبع الفكرة الخاطئة بأن الجنس البشري مكون من حيث الأساس من أجناس منفصلة وطبقات متعددة، وأن هذه الجماعات البشرية المختلفة تتمتع بكفاءات عقلية وأخلاقية وبدنية متفاوتة تستوجب أنماطاً مختلفة من التعامل.
والحقيقة أنه لا يوجد سوى جنس بشري واحد. فنحن شعب واحد يسكن كوكباً واحداً: نحن أسرة بشرية مرتبطة بمصير مشترك ومرهونة بأن «تكون كنفس واحدة».
قتل جورج فلويد، الشاب الأمريكي ذو البشرة السوداء الذي توفي في 25 مايو الماضي خنقاً، خلال تفتيش للشرطة في مدينية مينيابوليس بولاية مينيسوتا عندما ضغط شرطي بركبته على عنقه حتى الموت، فيديو تثبيت جورج فلويد على الأرض وصراخه بأنه لا يستطيع التنفس واحتضاره لمدة 8 دقائق و 46 ثانية انتشر بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي وأدى إلى خروج احتجاجات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وبعدها في العالم، فلويد لم يقاوم الاعتقال وامتثل لضابط الشرطة، ومع ذلك كان الضابط الأبيض يمارس أقسي درجات السادية من وجهة نظر الكثيرون، حيث يجثم الضابط بركبته على رقبة فلويد ويضع وجهه في الأرض في امتهان لكرامة فلويد، وهذا عمل من أعمال السادية، ويظهر الفيديو الضابط وهو يضع يده في جيبه أثناء تلك الحادثة كدليل على الاستمتاع بما يحدث وهو يعلم جيداً أن المشهد مصور، وجورج فلويد توفي في مكان الجريمة وليس كما أعلن أن الوفاة كانت بالمستشفى، لم يكن الشرطي ديريك تشوفين يدري أن الدقائق الثمانية التي جثا فيها بركبته على رقبة جورج فلويد ستقيم الدنيا ولا تقعدها أياماً طويلة، كل ثانية اختنق فيها فلويد تحولت لصرخة غضب صدحت بها حنجرة في موجة احتجاجات عمت الولايات المتحدة والعالم تحت عنوان عريض هو اجتثاث العنصرية.
تعيد واقعة قتل الشاب الأسود «جورج فلويد» إلى الذاكرة واقعة مماثلة في الماضي القريب عام 2018 بمقتل الشاب الأسود «ديانتي ياربر» بـ 20 رصاصة على يد الشرطة الأمريكية، والشاب «ستيفون كلارك» الذي قتل برصاص الشرطة في ساكرامنتو عاصمة ولاية كاليفورنيا، ولم يكن مسلحاً وقد تحولت الجنازة فيما بعد إلى مسيرة حاشدة ضد عنف الشرطة الأمريكية.
أعلن في الولايات المتحدة سنة 1865 عن تحرير العبيد، إلا أن ظاهرة جديدة برزت في المجتمع الأمريكي في أعقاب ذلك تمثلت في نظام الفصل العنصري، الذي أسس له البيض بعزل أنفسهم وأماكنهم عن مواطنيهم من أصول إفريقية، كما تجلّت مظاهر الفصل في ظهور قاعات انتظار ومقاهي ومراحيض عامة خاصة بالبيض وأخرى بالسود، كما افتتحت جامعات ومدارس مفصولة، وخصصت في حافلات ووسائل النقل أماكن خاصة للّونين، وفي الثلاثينات من القرن الماضي، حظرت الحكومة الأمريكية على المواطنين من أصول إفريقية السكن في مناطق وأحياء معينة في البلاد، سميت بمناطق الخط الأحمر، الأمر الذي مهد لظهور أحياء ومناطق للسود وأخرى للبيض، واستمر هذا الفصل حتى سنة 1960.
أظهرت دراسة أنجزت مؤخراً عن عنف الشرطة في مينابوليس (التي قتل فيها جورج فلويد) أن قوات الشرطة استخدمت العنف ضد المواطنين الأمريكيين 11500 مرة منذ سنة 2015, غير أن هذا العنف الموجه ضد المواطنين السود كان أكثر من خمسة أضعاف مرات العنف التي تعرض لها البيض. نتيجة ذلك فإن الكثير من السكان السود لا ينظرون إلى الشرطة على أنها الطرف الذي يوفر لهم الحماية بقدر ما ينظر إليهم على أنهم الطرف الذي يضطهدهم.
ولا شك أن الأمريكان الأفارقة في عموم البلاد واعون وقلقون بشأن استخدام الشرطة للتنميط العرقي ضد هذه الشريحة السكانية. إن التعاون مع الشرطة داخل مجتمعات الأقليات مبني إلى حد كبير على نظرة هذه الأقليات لمستوى العدل في تعامل الشرطة معهم، وفقًا للتفكير الحالي لنقابات الشرطة. بالطبع، فإن المعاملة المتباينة للأقليات تترتب عليها نتائج عكسية فيما يتعلق بتقديم خدمات سلامة عامة فعالة وذات كفاءة.
تلقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العديد من الاتهامات في ظل استمرار الاحتجاجات في الولايات المتحدة على خلفية مقتل فلوريد، حبث اتهمه «سناب شات» بالتحريض على «العنف العنصري»، كما اتهمه جيمس ماتيس وزير الدفاع السابق في إدارة ترامب بالسعي لـ»تقسيم» البلاد، بينما رد ترامب على ماتيس قائلاً أنه أكثر جنرال مبالغ في تقديره، كما وصفه بـ»الكلب المسعور». وقد وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مرسوماً ينص على إصلاح محدود في جهاز الشرطة، ويمنع أفردها من استخدام وضعية الضغط على الرقبة «الخنق» إلا في الظروف الاستثنائية. وأوضح ترامب، بعد لقائه عائلات أفراد سقطوا ضحية عنف قوات الأمن أو العنصرية، أن القرار يشمل منع اللجوء إلى وضعية الخنق «إلا إذا كانت حياة الشرطي في خطر»، مضيفاً أنه «يشجع» آلافاً من وحدات الشرطة الأمريكية على التزام «أرقى المعايير المهنية».
وأشار ترامب إلى أن مشروع قانون إصلاح الشرطة يأتي لإنهاء «نمط الفشل القديم». ويأتي هذا المرسوم في محاولة للرد على احتجاجات تاريخية رفضا لعنف الشرطيين والعنصرية، وذلك بعد عدة أسابيع من الاحتجاجات التي عمت أرجاء البلاد.