علي خضران القرني
فيما مضى وفي عنفوان زعامته المصطنعة في تركيا، ظهر أمام الملأ، وخصوصًا الشعوب العربية والإسلامية وحكامها؛ بالصديق المخلص المؤمن بقضاياها المصيرية، وفي مقدمتها (فلسطين) ووقوفه أمامها موقف المساند الأمين، وخطط في هذا السبيل زيارات مكوكية، شملت بعض الدول العربية والإسلامية، وبعض دول أوروبا، واتخذ من منابرها مرتكزًا، لهذه الخطة للنفوذ من خلالها إلى الغابات التي ينشدها؟
واستطاع بأسلوبه المشوب بالعاطفة وتصريحاته التي تمثل في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، أن يحتل مكانة مرموقة لدى حكام وشعوب تلك الدول، فمنهم من آمن بها بداية ومنهم من شكك في مصداقيتها ووقف منها موقف المحايد الحذر من مغبتها؟
ومرت الأيام، وكم في مرورها من عبر ودروس، وتتضح نوايا أردوغان أمام الملأ وضوح الشمس في كبد السماء بأن تلك المواقف والتصريحات التي اتخذ منها جسرًا للعبور إلى قلوب وحكام تلك الدول لأغراض ومطامع توسعية واستعمارية واقتصادية بحتة بيتها وخطط لها منذ بداية حكمه! وصدق عليه قول زهير بن أبي سلمى:
ومَهمَا تَكُنْ عِنْد امرئٍ مِنْ خَلِيقةٍ
وإِنْ خَالهَا تَخْفى عَلَى النّاسِ تُعْلَمِ
وقد أشرت في كلمة نشرتها قبل عام أو يزيد على صفحات هذه الجريدة الناهضة [صحافة وإعلامًا] عن شخصية هذا الحاكم المزدوجة، وأن نكون على يقظة وحذر من تصرفاته ومطامعه الخفية، نحو المنطقة، وأيدني في ذلك عديد من المحللين والساسة وأصحاب الرأي، وخالفنا العديد ممن غرتهم تصريحات وآراء هذا الحاكم الذي يخفي خلاف ما يظهر؟
ويأبى الله إلا أن يكشف حقيقته ويعري مصداقية نواياه أمام الملأ.
وقد مهد وساند أصحاب العمائم في إيران، وسهل عبورهم عن طريق العراق ليصلوا بسلام إلى تركيا ليحتلوا الجزء الشمالي من سوريا ويكونوا قاعدة فيه قوامها الدواعش والقاعدة والمرتزقة، لقتل وتشريد أبناء سوريا، تضامنًا مع بشار وزمرته، وصولاً إلى حزب الشيطان في لبنان، وتعزيز قول الحوثيين في اليمن تشجيعًا لقوى الإرهاب الممتدة من إيران، وهو بذلك [كمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته] قاتله الله.
إن من يقرأ تاريخ الفرس، وحكم الأتراك منذ عصور الإسلام الأولى وما بعدها يدرك تمامًا ما تضمره هاتان الدولتان، للعرب والمسلمين منذ القدم، ومع ذلك فقد أحبطت نواياها ونكست أعلامها وكان الفشل حليفها، والنصر للعرب والمسلمين، على امتداد تاريخهم المشرف المجيد، رغم المحاولات اليائسة التي تعرضوا لها من أعدائهم الفرس والأتراك آنذاك وانهارت عروشهم ودكت حصونهم تحت أقدام الجيوش العربية والإسلامية. ومنيوا بخسائر فادحة لم يسبق لها مثيل.
أصحاب العمائم في إيران، جوعوا شعبهم، وأخروا تقدمه للوراء مئات السنين وأنفقوا مقدراته في الإنفاق على الإرهاب والإرهابيين في شتى بقاع العالم، وعلى الأخص من هم في العراق وسوريا ولبنان والحوثيين في اليمن وغيرهم من الشعوب المنساقة وراء سياستهم الخرقاء؟
أما أردوغان وتظاهره بصداقة العرب والمسلمين فقد اتضح بما لا يدع مجالاً للشك بأنه عميل وطامع وتوسعي، ودليل ذلك: هبوط الطائرة الإسرائيلية قبل أيام في تركيا وعلى متنها وفد إسرائيلي رفيع المستوى لتوثيق العلاقات مع المسؤولين الأتراك وقد قوبل هذا الوفد من الأتراك بكل حفاوة وتكريم وتم عقد الجلسات السرية في تقوية العلاقات حاضرًا ومستقبلاً؟ وأمام الكم الهائل من الانتقادات التي وجهت لأردوغان، نتيجة لهذه الزيارة فقد صرح أن مهمة الوفد تنحصر في النواحي الاقتصادية ولا علاقة لها بالسياسة ليثبت للعرب صدق نواياه؟
أجل... فما هو موقفه من قضية فلسطين وأهلها، وتصريحاته على المنابر سابقًا ولاحقًا أنه ممن يؤيد حق الشعب الفلسطيني في استرداد أرضه والعيش فيها بسلام؟ أليست هذه خيانة عظمى على رؤوس الأشهاد لن يغفرها له الشعب الفلسطيني وكفاحه العادل الشريف نحو استرداد أرضه وطرد المحتل منها؟
ولم يكتف أردوغان بهذه المواقف (القذرة) فقد كون حملات عسكرية متتابعة من المرتزقة من شمال سوريا قوامها الدواعش والقاعدة وبعض المرتزقة، وسيرهم لمساندة جيش السراج للانتصار على الجيش الوطني، بحجة مساندة السراج في نجاح حكمه، حسب طلبه.
والحقيقة الغائبة عن كثير من الناس هي خلاف ذلك فهدف أردوغان من تدخله السافر في ليبيا ليس حبًا في السراج أو نجاح حكمه؟ بل هي (الكعكة الكبيرة) التي تتسابق عديد من الدول عليها، إنها البترول والغاز ولا غيرهما هما مطمع أردوغان في ليبيا وتصريحه أنه يريد إيجاد متكئًا لتركيا في المتوسط، يعبر منه إلى حيث يريد أو إلى مستعمرته الجديدة [ليبيا] وتأسيس عثمنة جديدة في تلك الجهة البعيدة عن حدود بلاده.
لا يزال تدخل تركيا السافر في الشؤون الداخلية لليبيا مستمرًا والأسلحة والمعدات جوًا وبرًا وبحرًا تتدفق عليها بين آونة وأخرى والمرتزقة كونوا فيها أعدادًا هائلة، وزيارة السراج الأخيرة لتركيا، تحت وطأة تقدم الجيش الوطني، كانت الدافع للزيارة، لكن أردوغان طمأنه بوقوف تركيا إلى جانب حكومته الجديدة، ولن تتخاذل تركيا في موقفها نحو ليبيا؟
خاتمة: ما يجري في (ليبيا) من قبل التدخل التركي الذي ذهب ضحيته آلاف القتلى والمشردين، لا يزال مستمرًا ويزداد سوءًا يومًا بعد يوم، أمام مرأى من العرب والمسلمين وجامعتهم العربية، والأمم المتحدة، وكل دول محبة للسلام. دون أن يحرك ذلك فيهم سوى الشذب والاحتجاجات والخطب الرنانة، وخصوصًا دول الجوار، أمام خطط توسعية واستعمارية بحتة! الهدف منها الاستيلاء على حقول البترول والغاز وليس حبًا أو نجدة للسراج وحكومته؟
(ليبيا) اليوم تمثل (أكبر كعكة في العالم لكنها صناعة محلية) تتنافس عليها إضافة إلى تركيا دول كبرى ذات تأثير قوي؟ تأمل أن تكون لها النصيب الوافر من هذه الكعكة النادرة، ولو أرادت روسيا وبعدها أمريكا من تدخل أردوغان في ليبيا وإيقاف القتال وسحب قواتها منها لاستطاعتا ذلك في برهة من زمن؟ فأردوغان هو (ربيبها) ولا يحيد عن رأيها؟ لكن تصريحاتها عن القضية هادئة جدًا وبطيئة، وتهدف من ذلك ضمان حصتها في الكعكة المتنافس عليها؟!
وهناك بارقة أمل تلوح في الأفق أو بصيص نور من اجتماع حفتر وقائد الجيش الوطني والسيسي الرئيس المصري المنعقد في القاهرة قبل أيام، والمقترح خلالها إيقاف القتال وحل القضية بالطرق السلمية، ومصر من الدول المجاورة لليبيا ولها ثقلها السياسي والعسكري وتاريخها المشرف في هذا المجال يشهد به البعيد قبل القريب.
ما نأمله أن يحقق اجتماع القاهرة بين السيسي وحفتر ما يحل القضية بالطرق السلمية وإيقاف القتال وإخراج القوات التركية الدخيلة من ليبيا، وترك ليبيا لأهلها يختارون الحكم الذي يريدونه وتكوين لجنة عربية محايدة، تجتمع تحت مظلة الجامعة العربية للصلح بين الليبيين حقنًا للدماء، واختيار الحكومة التي يريدونها، والعيش في سلام ووئام واستقرار، بعيدًا عن الحزازات والعنصريات والتدخلات والأطماع الخارجية الهادفة إلى الاستيلاء على مقدرات الشعب الليبي الغني بمكتسباته وتنوع اقتصاده، من بترول وغاز ومنتوجات زراعية وغيرها من الموارد الأخرى التي تمتاز بها ليبيا قديمًا وحديثًا؟