الهادي التليلي
هل ستتمكن العائلات من التجول والسفر ومعانقة زرقة البحر هذا العام؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الكثيرون على أنفسهم بعد أن أنهكتهم المشاهد البصرية التي تبثها الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي وسائر وسائل الإعلام المتشائمة حينًا، والمتفائلة حينًا آخر، والمتشائلة في أغلب الأحيان. هذه المرة البشرية لا تملك إلا حق السؤال، أما الجواب فليس بيد شركات الطيران أو مكاتب السياحة أو محركات البحث التي تعودنا منها على إيجاد حلول لكل التحديات. الجواب لا يحدد بمقدرات ما توافر للعائلة، أو ما حصلت من بطاقات ائتمان بنكية. القرار ليس بيد شركة الجو، أو مكاتب الأرض، أو حتى محتوى الجيوب. هذه المرة، وبعد أسابيع وأشهر من التباعد الاجتماعي، المؤكد بالفعل هل ستتخلى البشرية عن مصائفها؟ وهل سيكون الصيف لحظة انعتاق من وباء كورونا التاجي؟
وإذا كانت الأمور على ما يرام فأين سنذهب؟ وما هي الوجهات السياحية الآمنة؟ ليس المقصود بالآمنة السالمة من خطر العنف والإرهاب، وإنما الأقل عرضة لوباء كورونا.. الآن كل شيء في حيز التخمين. بعض البلدان بدأت تصفر في نسب الإصابات بكورونا عمدًا استعدادًا لمواسمها السياحية، واستقطابًا للباحثين عن الأمان وبعض المنظرين للسياحة للبشر والتبشير باستئناف أنشطة السياحة الاجتماعية حتى قبل فتح الحدود معتبرين هذه المرحلة فرصة السياحة الداخلية والمحلية. فليس من المؤكد إعادة فتح الحدود على الأقل في هذا الظرف. وفي هذا السياق يؤكد بول أرسينولت الأستاذ في كلية العلوم في السياحة أن سياحة ما بعد كورونا ستكون أقل رفاهية، وأقل تكلفة.
تقاطع المشاعر بين الرغبة في السياحة والخوف من المجهول، وأن تكون فاتورة المصيف صحة وسلامة العائلة، والخشية من المخاطرة الاجتماعية مسألة حاسمة في اتخاذ القرار، إن لم تكن الصعوبات المالية الشخصية، خاصة إذا ما علمنا أن كورونا ذهب باقتصادات دول وأُسر إلى مرحلة تجعل من المصيف الذي كان في متناول جل الطبقات الاجتماعية حلمًا بعيد المنال. وإذا كان بول أرسينولت رأى أن ترفيه ما بعد كورونا سيكون أقل كلفة بالنسبة للمنشآت السياحية فإننا نخالفه فيما يتعلق بالكلفة اللوجستية؛ لأن أسعار تذاكر الطائرات لن تكون بمستوى العروض التي كانت تقدم سابقًا نظرًا لما تكبدته شركات الطيران من خسائر فادحة خلال فترة كورونا. السياحة الحذرة، والمعبر عنها بالسياحة بمسافة، التي بدأت دول أوروبا تخطط لتفاصيلها، تفرض مسافة أمان بين المصطافين، وتوفر أماكن عزل للعائلات في استمرار لما يعرف بالحجر الصحي، ولكن بنسخة «life style» سياحة لايف ستايل ما بعد كورونا.
بعد أن اكتشفت العائلات متعة الحياة الحميمة بعيدًا عن صخب الحياة التي كانوا يعيشونها، وسعيًا إلى نمط سياحي أكثر أمانًا، ويوفر الحد الأدنى من الخصوصية، صارت العائلات في غير حاجة لفنادق خمس نجوم حتى وإن كانت إمكاناتها المادية تسمح بذلك، وإنما الرغبة في سياحة آمنة ذات مردودية أسرية عالية. هذا من جهة مستغل الخدمة السياحية. ومن الناحية الثانية يستوقفنا مقدم الخدمة الذي يفكر في طرق بديلة وحديثة، توفر السلامة والأمان الصحيَّين. وهنا يستوقفنا طرح الدكتور الإماراتي ورجل الأعمال المتخصص في مجالات السياحة والترفيه والعقار محمد بن علي العبار الذي يعتبر أن سياحة المستقبل هي سياحة ذكية بامتياز؛ إذ إنه لن يعود السائح في حاجة إلى الوقوف في طابور طويل للقيام بإجراءات الدخول للفندق؛ فبجواله وبتطبيق ذكي لم يعد في حاجة للاحتكاك بأي موظف أو زبون كسبًا للوقت، وتحقيقًا لمعادلة الأمان الصحي. «تشك إن، وتشك أوت» بجوالك، طارحًا على سبيل الدعابة: قد لا أحتاج إلى أكثر من ساعة للعبور من بلد إلى بلد، ولكن في بعض الفنادق تحتاج لأكثر من هذا الوقت للقيام بإجراءات تسجيل الدخول. ويذهب أكثر من ذلك إلى أن تكون كل إجراءات الخدمات الداخلية بشكل ذكي، ولا تحتاج إلى التواصل مع الموظفين، بل يتحدث عن تجربة مجموعته في استخدام روبوتات ذكية في تقديم الخدمة. هذه المرحلة ستشهد نمطًا مغايرًا في الترفيه السياحي أكثر جهدًا ومسؤولية؛ لأنه سيكون لكل عائلة على حدة، وعبر وسائل حديثة، وخبراء محنكين.
جائحة كورونا ونتائجها تفرض نمطًا وطرقًا جديدة في السياحة، وتفرض على المستثمرين في المجال السياحي أن يعدلوا أوتارهم تماشيًا مع مقتضيات اللحظة، واستجابة لطلبات العملاء؛ فالسياحة الذكية لم تعد خيارًا بل أمرًا حتميًّا، فرضته نتائج كورونا، ورغبة العملاء في الأمان والسلامة. السياحة في لحظة ما بعد كورونا ستكون فيها إجراءات الأمن والسلامة بما يشبه الوسوسة، ولكن تعد لحظة صعبة وحساسة واختبارًا حقيقيًّا لالتزام الإنسان بسلامته وسلامة غيره.