فهد عبدالله الغانم السبيعي
رغم جائحة كورونا (كوفيد - 19) المستجد والظروف المشددة المحيطة حولها في أغلب دول العالم لغرض عدم تفشيها، لا تزال حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تواصل سياساتها العدوانية ضد أغلب الدول العربية بدءاً من سوريا ومروراً بالعراق وأخيراً التدخل التركي السافر في ليبيا عبر مد فايز السراج رئيس بما يُسمى «حكومة الوفاق الوطني الليبية» بالسلاح والعتاد بأنواعه وبمشاركة من ضباط وجنود أتراك ومرتزقة أفارقة وسوريين وغيرهم. وهي بهذا تواصل انتهاك الحظر الدولي بعدم نقل الأسلحة إليها دون أي مبالاة؟
هذا التدخل غير المسبوق عمّق من شكوك الليبيين تجاه مواقف فايز السراج المتخاذلة مع تركيا من أجل مساعدته في وقف تقدّم الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر، وإلى حد ما نجح السراج بالدعم التركي بمنع تقدّم هذا الجيش وتراجعه إلى الوراء تاركاً طرابلس وترهونة تقعان في أيدي الوفاق الليبي عبر مسلسل تركي/ ليبي لن ينتهي قريباً والهدف القادم هي مدينة «سرت» الساحلية المطلة على البحر المتوسط ومن ثم الوصول للهلال النفطي. السراج بموافقته على التدخل التركي في ليبيا سوف يجعل الغرب الليبي يرضخ تحت الهيمنة التركية وفي هذا يصبح الخطر التركي أيضاً مهدداً للدول الأوروبية ومصالحها الحيوية في ليبيا، حيث إنها تعتبر بوابة لأوروبا نحو عدة دول وبخاصة الدول الإفريقية.
السؤال الذي يبقى حائراً حتى هذه اللحظة هو: لماذا تحجّم دول الاتحاد الأوروبي وخصوصاً إيطاليا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكذلك اليونان عن دعم ليبيا عسكرياً وسياسياً وبقوة؟ وأقصد هنا إيقاف تدفق الأسلحة بكافة أنوعها إلى الموانئ الليبية والتركيز على الحل السلمي. وللأسف هذه الدول لم تبد فعالية تجبر التدخل المغولي التركي على الانسحاب قبل أن يتعقد المشهد الليبي ويصبح الوضع أكثر تفاقماً إذا مضت تركيا في أطماعها بغرض نهب ثروات الليبيين. هنا يجب على الأوروبيين أن لا يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه التدخلات التركية وكف أيدي من يعبثون بجوارهم قبل فوات الأوان.
ليس جديداً على المجتمع الدولي الممارسات التي يقوم بها رجب طيب أردوغان من استباحة أراض عربية والدفع بقواته للمشاركة في النزاعات في العراق وسوريا وليبيا، ليس بغرض بث الفرقة والانقسام والفوضى الخلاقة فقط، بل البحث عن إمبراطوريته العثمانية التي تداعت خلال الحرب العالمية الأولى ولتعويض خسائره السابقة سياسياً واقتصادياً في سوريا وغيرها.
على الجانب الآخر الرئيس التركي شخصية منفلتة ومخادعة تبحث عن مصالحها وللمزيد من سطوته واستبداده. أما أفكاره الأوردوغانية الوهمية فتقوده إلى اختراع سياسات جديدة لم تطبق في عالم السياسة الدولية، لكنه يقوم بالسير بها قدماً من أجل تحقيقها متجاهلاً المخاطر المحتملة لهذه المغامرة غير المحسوبة ومعتقداً أنه بهذا الأمر يُحسن صنعاً؟
أوردوغان يريد أن يحصل على نفط رخيص من غزوه لليبيا، كما حصل عليه من قبل من «داعش» في سوريا. سياسته هي حروب ونزاعات ومشاكل إقليمية ودولية مع علاقات سيئة أدت إلى تدخله في كل من سوريا والعراق وليبيا ومعاداة فرنسا وقبرص واليونان ومصر والإمارات والعديد من الدول الأخرى. لذا فتاريخ هذا المخادع العثماني يشهد على عدوانيته وأطماعه الاستعمارية وإدمانه للنفط العربي. ورغم ما يدعيه من أسباب لتدخلاته فليس له أمان فهو لا يمد يديه للشعب الليبي بغصن زيتون، ولا يطلق حمامة سلام ترفرف في سمائهم، بل قذائف وصواريخ ويدفع بمدرعاته لكي يحتل بلادهم ويقتلهم؟ هذا المقاول التركي المتهور له وعود خاوية لا تنفذ على أرض الواقع، وإن هي نفذت فهي لا تجلب سوى الأسى والدمار والفوضى الخلاّقة؟
إن من المستحيل جداً أن تتحوّل ليبيا إلى سوريا جديدة يرأسها (أسد ليبي جديد)، وأن محاولة استنساخ نموذج لمثل ذلك، هي فكرة جنونية لا تجدها إلا في تفكير الرئيس التركي القصير الأمد والتي تهدف في النهاية إلى تحقيق الحلم العثماني الكبير في ليبيا.
أردوغان: نقولها لك بصراحة وبالفم المليان ليبيا ليست بحاجة إلى أن تكون «سلطنة عثمانية» ولا «حامية تركية»؟ بل هي أكبر من كل اللاعبين الأساسيين في أزمتها الحالية، لأن لديها مواطنين ليبيين مخلصين يدافعون عن ترابها وليس خونة يشعلون (سراج) الحقد والكراهية والذي لا يؤدي بدوره إلا إلى الانقسام ومن ثم إلى الحروب الأهلية التي يطول أمد نزاعها. تركيا يجب أن تُكف أيديها عن العبث الطفولي الذي تمارسه بليبيا، بل وإبعادها عن المشهد الليبي برمته وهذه ضرورة لا مناص منها، والمسارعة بتطهير التراب الليبي قبل تدنيسه بأقدام الغزاة.
التوافق الوطني الليبي واحترام القانون الدولي حاجة شعبية لا بد من تحقيقها للوصول إلى الحل السلمي. ويُبعد عن البلاد استمرار الحل العسكري المدمر والذي سعت تركيا إلى تأجيجه مؤخراً، وهذا التوافق سيتماشى مع القرارات الدولية كـ «اتفاق الصخيرات» و»مؤتمر برلين» و»إعلان القاهرة» المستند عليهما بعيداً عن التدخل الأجنبي.
إن ما سبق قوله باعتقادي كفيل بأن يعم السلام جميع أرجاء ليبيا، وسيجلب الأمن والاستقرار المفقود منذ الإطاحة بالرئيس الليبي/ معمر القذافي في عام (2011م).