زكية إبراهيم الحجي
حينما يعجز الإفصاح والتعبير والكتابة، تأتي الصورة ملخِّصة وجامعة بما لم يتمكن به اللسان والقلم.. لقد شكل عصرنا الحالي منعطفاً مهماً في تاريخ التكنولوجيا والتقدم العلمي.. ولعبت الأجهزة التكنولوجية الحديثة دوراً محورياً في نقل الأخبار والوقائع والأحداث لحظةً بلحظة أينما كانت وكيفما كانت ومما زاد من قوة وسرعة النقل وفاعليته هو اعتماده على الصورة المرافقة لأي خبر أو حدث أنَّى كان نوعه أو أهميته ما يجعلنا نرى الحدث وكأننا في حضرته.. وفضلاً عن ذلك فالصورة أداة فعالة في صناعة المضامين الإعلامية على اختلاف أنواعها ومجالاتها تُعبِر عن الفكرة وتختزل أبعاد الحدث بشكل بسيط يُقدّم للقارئ والمشاهِد المعنى الإجمالي في مساحة دلالية مختصرة، وذلك قبل أن تتحول إلى رموز من خلال الكتابة والقراءة.
إن المتتبع لتاريخ الشعوب والحضارات يلحظ كيف كان الرسم ملازماً لكل حدث في التاريخ وأسلوباً من أساليب التعبير والتوثيق.. ومع التطور الزمني وفي ظل وفرة الوسائل الإعلامية المتعددة غدت الصورة نسقاً يحمل دلالات مختلفة، وذلك وفقاً لطبيعة الأحداث والمواقف سواء كانت سياسية أو اجتماعية.. ثقافية أو تعليمية.. اقتصادية أو صحية.
تنوعت المعارف وتنوعت الصور.. وغاية الصورة تجسيد المعارف والوقائع وإن اعتمدنا في غالب الأحيان على النص المقروء أو الصوت المسموع الذي قد يتوقف فهمه والقناعة ببلوغ رسالته عند البعض، ولكن تبقى الكلمة مرهونة بحضور المصداقية إذا لم تتسلل إليها وسائل التزييف والخداع إما بحذف أو إحلال وتبديل بهدف التضليل.
نحن نعيش في عالم وسائطه الصورة بطريقة لم يشهدها التاريخ البشري.. والحديث يطول حول مغزى كمٍّ هائل من صور واقعنا وجزئيات حياتنا في مختلف المجالات لكن ما يدمي القلوب ويخنق الأنفاس تلك الصور الصادمة والمروعة لأطفال الحروب.. إن ثمن الصراعات هم الأطفال وهذا ما حدث على مدار التاريخ وما زال مستمراً.. باتت صور قتل الأطفال من المشاهد اليومية التي تنشرها كاميرات تعشق الفجيعة فترافق الصراعات والحروب وتوثق مشاهد العذاب والاتجار بالألم ولعل أبرز الصور التي هزت الضمير الإنساني في عصرنا الحالي صورة صمتِ عمران ومقتلِ إيلان.. صمت عمران المصدوم من الواقع الذي يعيشه أذهل العالم وأشعلت صورته التي كشفت اختلاط الدم بغبار هدم بيته جراء قصف جوي مواقع التواصل الاجتماعي منددة بالأحداث الدموية العنيفة.. أما إيلان الطفل السوري البالغ من العمر ثلاث سنوات، والذي كان ضمن أسرته في رحلة الهجرة بحراً لقي حتفه غرقاً وألقت الأمواج بجثته على شواطئ البحر المتوسط.. صور مؤلمة تُجسد واقع الانتهاكات الإنسانية ضد الطفولة في مناطق الصراع.
إذا كانت الصورة قد أخذت أبعاداً متعاظمة في التأثير خاصة في عصرنا الحالي فذلك لا يعني إلغاء دور الكلمة في التأثير بل هناك تكامل بينهما إلا أن الفارق يكمن في أن الصورة بسيطة في التلقي بينما الكلمة تحتاج إلى قراءة بتمعن.. والتكامل بينهما يُبقي الصورة سناء العصر ويُبقي الكلمة سلطان القلم.