د. محمد عبدالله العوين
كان معمر القذافي يدعي التقشف، ويظهر عدم احتفاله بمظاهر الأبهة والسلطان، ويلتزم باللباس الشعبي الليبي، وغايته كسب تعاطف الجماهير، من باب الدعاية الإعلامية الكاذبة لتمكين مزيد من قبضته على السلطة.
كان يصطحب خيمته البدوية في حله وترحاله، ليس داخل ليبيا فحسب؛ بل حتى في زياراته إلى دول عربية وأوربية، فكان إذا حضر أية قمة عربية أو أفريقية أو أوروبية، ينصب خيمته في أحد ميادين الدولة المضيفة، نصبها في حديقة سنترال بارك بنيويورك، وفي حديقة الكرملين بموسكو، وفي روما وباريس، كانت مثار دهشة وسائل إعلام تلك الدول؛ لكن الدهشة ستزول إذا علمنا أن قلعة باب العزيزية التي تمتد بطول أكثر من ستة كيلومترات وبأسوار عالية ترتفع أربعة أمتار، وبسمك متر واحد، تحتوي على قصور فخمة ومخابئ وممرات سرية تحت الأرض، مع أنه كان ينصب خيمته داخل ثكنة باب العزيزية. أما الثروة فلم يكن صادقاً في زهده بالمال؛ فقد قدرت ثروته بمائة وسبعة وثلاثين مليار دولار، وقد تخلى عن السلطة ظاهرياً 1977م، حين أعلن نظريته العالمية الثالثة وأسس الجماهيرية الشعبية واحتفظ بمنصب (الأخ قائد الثورة)، ومنح اللجان الشعبية دفة إدارة الحكم؛ لكن الحقيقة أنه كان يدير من خلف الستار كل الأمور وصاحب القرار الأول والأخير في كل ما يدور في ليبيا داخلياً أو خارجياً.
أراد القذافي أن تكون الخيمة دلالة على انتمائه إلى الأصالة، وبعده عن الترف وتقليد النمط الغربي؛ لاستمالة الجماهير المتعطشة إلى شخصية كهذه، هذا في الظاهر كلعبة سياسية وإعلامية؛ أما المقاصد الخفية غير المعلنة فلا يدركها إلا قائد الثورة؛ فهو مترف وفاحش الغنى ومتسلط ومعجب بالحضارة الغربية، وعلاقته ممتدة وعميقة مع الإيطاليين والفرنسيين وغيرهم، وقد تلقى دراسة عسكرية ودورة في اللغة الإنجليزية في بريطانيا، إلا أنه كان لا يظهر الوجه الحقيقي الذي قد يخدش الصورة التي رسمها لشخصيته ولثورته التي عبر عنها كتابه الأخضر ونظريته الثالثة.
وكما أدت الخيمة دورها في رسم صورة الزعيم الزاهد المتقشف أدت دوراً آخر خفيًّا لم يظهر إلا بعد سقوط (الأخ قائد الثورة) في 23 من أغسطس 2011م، فقد كانت شَرَكاً وثق خيانة كل من دخل إليه وأباح عن نواياه من العملاء والمتآمرين على أنظمتهم وشعوبهم.
دخل الخيمة المتآمر الأكبر خائن وطنه وجيرانه والعرب حمد بن خليفة آل ثاني، وشريكه حمد بن جاسم بن جبر، وأفضيا بما يضمرانه من خسة وأحقاد على قيادة السعودية، ودخلها خونة منشقون عن قيادة بلدانهم، ويقيمون في لندن وغيرها، كما دخلها رموز وقيادات في تنظيم الإخوان: يوسف القرضاوي، وأردوغان، وحاكم المطيري، ومبارك الدويلة و(غيرهم)، كما دخلها: عزمي بشارة، ويوسف بن علوي و(غيرهما).
ما أحلم وأحكم وأكبر قيادة هذا الوطن العظيم؛ فلو كان التآمر اللئيم الذي وثقته خيمة الضرار على دولة أخرى لقامت بينهما حرب عظمى لا تبقي ولا تذر؛ لكن الكبار لا ينظرون إلى حقارات الصغار.