خالد الربيعان
العام 1818.. إنجلترا.. آلاف الخواطر تحوم حول قلب الشاعر «بيرسي شيلي»، مفتون هو بقصة تمثال الفرعون «رمسيس الثاني»، الذي سيأتون به ليُعْرَض في المتحف البريطاني، فيما بعد عرف أنها «بقايا التمثال»، رأس، وقدمان على قاعدة، فكر وفكر ثم أبدع قصيدة قصيرة «سوناتا»، حملت درساً صادف أنه «درس قيّم.. حقيقة».. لذلك اشتهرت هذه السطور وعاشت حتى اليوم بعد مرور قرنين كاملين.. 202 سنة.. كانت القصيدة تحمل اسم الفرعون العظيم بالإغريقية بعنوان «أوزيماندياس».
* * *
مهما بنيت فأنت تبني لمن بعدك.. لن تمتلك شيئاً.. المؤسسات هي الباقية وليس الأفراد.. لم نخرج بعد من قبضة الموت الشبحية التي تحيط بنا إلا وبدأ «التضارب والتناوش والتهاوش» على ملف إستاد لكبيرين من كبار آسيا، بالطبع هل تسكت الجماهير؟ أنت تمزح.. التويتر «مولع» يا عزيزي.. هذا أبعد ما يكون عن جوهر الرياضة، وهو الممارسة.. والتأثير على الصغار ليلعبوا الكرة في الحارات والملاعب لنجد المزيد من سامي وماجد والثنيان والدعيع ونور وأنت تعلم الباقين وكيف بدأوا.. من الحارات، لأنهم تأثروا بنجوم على الشاشات قدَّموا شيئاً واحداً فقط.. الجمال.
من يقرأ التاريخ ويعتبره سيتجنب إعادته.. تكلمنا عن إستاد سان سيرو الإيطالي الشهير الذي شهد منازعة بين ميلان وإنتر.. لا تزال إلى الآن لا تعرف إلى ماذا وصلوا.. مع الجماهير وإدارة الناديين هناك الاتحاد الإيطالي الذي «ضاق صدره» ومعهم المحاكم المختصة وبلدية مدينة ميلان التي لو كنت مكان رئيسها لهربت لصحراء الربع الخالي وتعايشت مع وحوشها أفضل.
* * *
(البناء هو الحل).. البناء «لمن بعدك»، ولا لهدف التفاخر والفردية و»دق خشوم المنافسين»، لن يوصِّل إلى شيء.. الدليل «أوزيماندياس»، صباح 11 يناير 1818 نشرت صحيفة الـExaminer كلماتها الرشيقة الجميلة معاً.. تصف رأس تمثال الفرعون العظيم الذي قيل أنه كان «يقتل بالنظرة»!، الرأس مدفونة لنصفها في الرمال، أجاد النحات القديم رسم العظمة التي اتضحت في العينين وشكل الشفتين وتعبير السيطرة على الملامح، ثم باقي ساقين على قاعدة عليها نقوش تحمل كلماته يوجهها إليك وإليْ وللكل «اسمي أوزيماندياس، ملك ملوك الفراعنة، انظر إلى أعمالي.. يا من تدّعي القوة والعظمة.. وابتئس»!
* * *
(البناء ليكون هناك إستاد لكل نادي) -وليس لجماهيره الحاليين- هي البداية «الصحيحة» التي تؤدي لنهايات صحيحة، عند إسناد ملف استضافة أي بطولة ولنأخذ أكبرها «كأس العالم».. لا ينظرون إلا لشيء واحد.. «البنية التحتية».. لا تمتلك إستادات «محترمة» = «اذهب مب نعطيك شيء.. ثواني.. سنعطيك..صفر محترم»! مونديال 2006: الحكومة الألمانية أنفقت 6 مليارات دولار على البنية التحتية وتجهيزاتها: التي هي إستادات الأندية «التي ستبقى بعد المونديال لأجيال قادمة، وفوق ذلك كانت الأرباح 4.6 مليار دولار.
2010 جنوب إفريقيا أنفقت بقيادة الزعيم «مانديلا» أكثر من 3 مليارات أكثرها على البنى التحتية، خلق هذا أكثر من 40 ألف وظيفة + إيرادات 2.5 مليار بعد المونديال «وبقاء ما تم إنجازه لأزمنة»، 2014 أنفقت البرازيل على ملف الإستادات فقط 11 مليار دولار، خلق هذا ما يقترب من مليون وظيفة، 2018 روسيا أنفقت -رغم استعدادها المسبق- 14 مليار دولار أكثرها على 12 إستادًا في 11 مدينة، ملف استضافة مونديال 2026 كانت المنافسة بين أميركا وكندا والمكسيك أمام المغرب.. أنت تعلم النتيجة!
* * *
لكن.. «لا شيء باق بجانب التمثال، حول خراب ذلك الحطام، بلا حدود: تمتد الرمال المستوية على مرمى البصر»، هكذا معنى باقي قصيدة العبقري شيلي المتوفى بسن 30 عاماً، لكنه كان صاحب بصيرة وحكمة مررها في 14 سطر فقط.. الإنجاز يجب أن يكون له «هو» للإنجاز نفسه و»لفائدة آخرين» وليس للتفاخر أو الهواش أو «التنمّر».. لأن على كل متنمّر هناك أشرس منه وأكبر.. يكفي الزمن الذي لا يُبقي أي شيء ويحيل الغرور والتعالي إلى عدم.. وصاحبه إلى ندم.
رابطة_الأكاديميات
الهدف أن يكون الدوري بالمملكة ضمن الـ10 الأكبر عالمياً.. أقول لك خلاصة ما تعلَّمته على مدى سنوات.. كل هؤلاء الـ10 الكبار أو القوى العظمى عملهم ارتكز على دستور أو ميثاق وهو:
«ضمان استمرار العمل رغم رحيل الأفراد»
مثال ذلك ميثاق الدوري الإنجليزي - وهو الأنجح-، ثم (البنية التحتية.. إستاد لكل ناد) هو المفتاح لأغلب القصص التي حكيناها من قبل.. «تشيلسي، بايرن، ليستر، توتنهام، السيتي، مدريد، لا تنس كامب نو برشلونة المصنف الأكبر عالمياً، دليل واضح.
أخيراً (الأكاديميات)، نتذكّر تجارب «ألمانيا- فرنسا- هولندا- إنجلترا».. وأخيراً المملكة التي فعَّلتها منذ أيام بقرار تاريخي من وزارة الرياضة، بالتعاون مع معهد إعداد القادة.. شكراً جزيلاً: مستمراً لأجيال قادمة.