عثمان بن حمد أباالخيل
قال الفنان والممثل الهزلي الشهير شارلي شابلن: «كي تعيش عليك أن تتقن فن التجاهل باحتراف». مَن هو الإنسان المحترف في زمن عزَّ فيه فن التجاهل إلا مَن أدرك جميع زواياه وخفاياه. والقاعدة التي تثلج الصدر أن التجاهل نصف السعادة التي تقود الإنسان إلى قليل الكلام كثير التجاهل.
في تفاصيل حياتنا اليومية، سواء كنا في مقاعدنا الدراسية، أو في أماكن أعمالنا، أو حتى في الطرقات أو اللقاءات والاجتماعات العائلية، وعلى مدرجات كرة القدم، وفي زحمة السيارات، أو عبر التواصل الاجتماعي والحوارات والأفراح والأتراح، أو العلاقات الشخصية، نسمع ونعيش مواقف تعكر صفو يومنا، وربما تغرس جرحًا يصعب الالتئام. الذين يبدعون في الإساءة لغيرهم، أو يعكرون انسياب الماء، هم بعيدون عن مراعاة النواحي الإنسانية.
أتساءل: هل يشعر الإنسان الذي تتجاهله أنه غير مرغوب به في حياتك؛ وعليه الانسحاب بهدوء؟ أم سيتجاهل موقفك منه؟ قناعتي في الحياة أن أكون من أكون، وأفعل ما أريد؛ فسعادتي بيدي، والتجاهل مريح جدًّا.
أعزائي القراء والقارئات، تعلموا فن التجاهل، وبلغة أخرى «فن التطنيش». للأسف، هناك من يعتبر التجاهل هروبًا من المواجهة مع الطرف الآخر، وحجتهم أنه من المحتمل أن يثمر الحوار تفاهمًا مستحقًّا بين الطرفين، يحقق الاتفاق. هذا الاحتمال يمكن أن يحدث مع أناس اجتازوا مرحلة التقييم الشخصي. للتجاهل أنواعٌ كثيرة يعيشها الإنسان المتضرر.
أنت لا تعيش الحياة وحيدًا، بل في مجتمع متغير، أو كما يردد علماء العلوم الإنسانية، خاصة علم الاجتماع: الإنسان كائن اجتماعي. للأسف هناك مَن يبالغ في التجاهل «فلا تبالغ في التجاهل كما لا تبالغ في المجاملة حتى لا تسقط في بئر النفاق.. ولا تبالغ في الصراحة حتى لا تسقط في وحل الوقاحة» يا شارلي شابلن.
للأسف، الهمز واللمز والهمس منتشرة في المجتمع، وخصوصًا المجتمع النسوي. صواريخ الهمز واللمز والهمس تنطلق، وتصيب أحيانًا، وتخطئ أحيانًا أخرى بسبب مضادات التجاهل التي تسقطها في غياهب عدم الاكتراث، أو الابتسامة الساخرة. هذا هو العلاج لفئة من الناس، لا تبالي ولا تقدر ولا تحترم مشاعر الآخرين. فالهدف من ذلك إظهار تلك النوايا النائمة في العقل الباطن عن الطرف الآخر.
التجاهل يغيّر سلوك نظرة الطرف الآخر بردك الحكيم.. التجاهل فن لا تتردد في إتقانه وتعلمه؛ فمَن أتقنه يعيش في راحة بال بالغة، ويستطيع أن يعيش في حالة سلام مع نفسه.
ولكي تبتعد أكثر: من يتجاهلك تجاهله، ولا تُعطِه أكثر من حجمه؛ فهو يدرك ذلك. لا تضيّع وقتًا طويلاً مترددًا في الإقدام على التجاهل؛ فالعمر يمضي، وأولئك المنغصون لحياتك - كما يقال - عاملهم بطريقة (بلوك).
حين يدرك من تتجاهله سيبحث عنك؛ فقد أدرك مدى فوضى مشاعره نحوك، وربما يحبك أكثر حين يعود إلى الطريق الذي أضاع وجهته.