د.فهد بن عبدالعزيز الغفيلي
استطاع فيروس كورونا الاستحواذ على قدر كبير من تفاصيل حياة البشر اليومية في كل مكان. لدرجة أصبح لهذا الفيروس نصيب في كل مقال ومقام. حتى أشبع هذا الموضوع نقاشاً، وصار كل أحد يملك معلومة وافرة عن هذه الجائحة، تمكّنه من إخراج كتاب مليء بالقصص والعبر، بل صار يمكن الكتابة والحديث في أي مجال؛ ديني، سياسي، رياضي، اجتماعي وغيرها، ولن يصعب منح الكوفيد دوراً رئيساً في كل المشاهد. قدرة هذا الفيروس على التغلغل في الحياة العامة للناس والتحكم في سلوكياتهم، شبيهة بقدرته على التسلّل إلى أجسادهم والاستيلاء عليها. هذه الجائحة شبيهة بالحالة الشعوبية أو بالشعوبيين أو ربما العكس الشعوبية تشبه كورونا. فكما أن هذا الكوفيد يتغلغل في الأجساد بصمت، فالشعوبيون يفعلون الشيء نفسه، فهم يتغلغلون في المجتمعات بسرعة، وبشكل غير محسوس. ومثلما يسعى الكوفيد إلى الاستيطان في المناطق الرئيسة للجسد، ومن ثم يضاعف أعداده، قبل أن ينقض على خلايا الجسم ويفتك بها، كذلك يفعل الشعوبيون، فهم يسعون إلى وضع مواطئ أقدام لهم في مؤسسات الدولة الرئيسة والمؤثِّرة، تمهيداً لإحكام القبضة عليها والتخلّص من غيرهم. وبالطبع، فالمشروع الشعوبي تخريبي ونتيجته الحتمية انهيار الدولة، وكذلك هو حال جسد من تمكَّن منه هذا الفيروس، إلا من رحم ربك. الأعجب أن الفيروس حين يقضي على الجسد الذي ترعرع فيه وتكاثر يفنى معه، وهو نفس مصير الشعوبيين، فهم حين يروِّجون للأجنبي التركي، أو الفارسي، أو الرومي على حساب العروبة والدين ويمكنون للغرباء، لا يطولهم شيء من أسيادهم، بل يضرسون بالأنياب ويوطئون بالمناسم، وتفوح منهم رائحة الخيانة التي يزكم نتنها كل أحد ولا يحتملها حتى من يمتهنهم. وقبل الختام، فالكوفيد يتسلّل ويتمكّن لا بسبب قلة الوعي، ولكن رغبة في تحقيق جوانب يظن صاحبها أنها إيجابية ومندوبة، وربما يكون هذا صحيحاً، ولكن ليس وقتها ولم تعمل بحذر. وكذلك حال الشعوبيين، فهم مفضوحون، ولكن قد يمكن لهم لدواع إنسانية وحقوقية ونوايا طيبة يغيب عنها الرقابة والحذر. وأخيراً، فظاهرة الكوفيد تتكرَّر على البشرية عبر الأماكن والأزمان، يسلم منها من سلم ويهلك من هلك، وكذلك هو حال الشعوبيين، فهم ليسوا ظاهرة عابرة، بل هم جزء من التكوين المجتمعي العربي، من استأمنهم فقد فرَّط وخاب، ومن حرّص ولم يخوّن نجا وظفر. والتاريخ مملوء بالشواهد، والمتأمل في أخبار محيطة سيتعلم الكثيرمن العبر.
بقي أن أذكر أن الشعوبيين الجدد يختلفون عن كوفيد، في كون الأخير غريب يتسلّل، بينما الشعوبيون الجدد من أبناء جلدتنا، ولكن جوارهم وولائهم للفرس والترك وغيرهم.