د. أحمد الفراج
استكمالاً للحديث عن أن أمريكا دولة مؤسسات، وتصحيحاً لما يردّده بعض المعلقين الرغبويين حول الرئيس ترمب، إذ يتحدثون عنه، وكأنه اغتصب السلطة في إحدى جمهوريات الموز، ويتجاهلون حقيقة أنه ترشح للرئاسة في دولة مؤسسات عريقة، وفاز بتصويت أكثر من 65 مليون مواطن أمريكي، كما أنه، ومهما بلغت سطوته، لا يستطيع تجاوز الخطوط الحمر، ورغم ذلك، فهو يظل أهم السلطات التي تحكم أمريكا، ويستطيع أن يناور ويحرف مسار بعض السياسات، فيما يظن أنه يخدم مصلحة امريكا العليا، كما أن له سلطة، يستطيع من خلالها التعامل مع المستجدات على الساحة العالمية، بمعاونة المستشارين المدنيين والعسكريين والكونجرس بكل تأكيد، وتظل له كلمته، التي لا يمكن تجاوزها، ما لم تتجاوز الخطوط الحمراء المتعلقة بالمصالح والأمن القومي، وربما أن سلطة الرئيس فيما يتعلق بتشريع القوانين، تعد مثالاً جيداً، يتبين من خلاله مدى النفوذ، الذي يملكه ساكن البيت الأبيض.
تشريع القوانين في أمريكا يمر بمراحل، تم النص عليها في الدستور الأمريكي، الذي كتب قبل أكثر من قرنين، إذ يتم اقتراح مشروع قانون، ويكون ذلك عن طريق عضو أو أكثر في مجلس الشيوخ، أو في مجلس النواب، وقد يتقدّم بذلك مواطن عادي، أو مجموعة من المواطنين، ثم يتم نقاش المشروع باستفاضة، عبر اللجان المختصة في المجلس المختص، وبعد أن يكون هناك قناعة بجدوى المشروع، يتم طرحه للتصويت على كامل أعضاء المجلس، ويتطلب مرور المشروع تصويت الأغلبية (النصف + واحد)، وفي حال تم ذلك، ينتقل المشروع للمجلس الآخر، فلو كانت بداية مشروع القانون في مجلس النواب، ينتقل بعدها لمجلس الشيوخ، والعكس بالعكس، ويتطلب مروره في المجلس الآخر تصويت الأغلبية أيضاً، وفي حال مر مشروع القانون من كلا المجلسين، فإنه ينتقل إلى المكتب البيضاوي، أي مكتب الرئيس.
عندما يطلع الرئيس على مشروع القانون، فإن له خيارين، فإما أن يوافق عليه، وحينها يصبح مشروع القانون قانوناً ملزماً، وإما أن يرفض، أي يستخدم الفيتو، وحينها ينتقل المشروع إلى المجلس الذي بدأ منه، سواءً الشيوخ أو النواب، وهنا يتطلب إقرار المشروع تصويت الأغلبية المطلقة، أي الثلثين، فإن صوت مجلس النواب، مثلاً، بأغلبية الثلثين، ينتقل المشروع لمجلس الشيوخ، وإذا صوت المجلس بأغلبية الثلثين، يصبح مشروع القانون «قانوناً ملزماً»، ويلغي ذلك فيتو الرئيس، أما إن تعثر مشروع القانون، وفشل في الحصول على ثلثي الأصوات، فإن هذا إعلان لموت مشروع القانون، وغالبًا فإنه من الصعب التصويت بأغلبية الثلثين، نظرا لاصطفاف معظم أعضاء حزب الرئيس معه في كثير من الأحيان، ولعلكم تابعتم كيف استطاع ترمب وأد بعض مشاريع القوانين التي مرت من مجلسي النواب والشيوخ، دون أن يتمكنا من التصويت بأغلبية الثلثين وإفشال فيتو الرئيس وتمرير المشاريع، وتعد هذه من أهم سلطات الرئيس، التي غالبًا ما يمارسها الرؤساء الأقوياء!.