العقيد م. محمد بن فراج الشهري
توشحت السياسة الإيرانية في السنوات الماضية غطاء التخفي لتتمكن من نشر سمومها، وأكاذيبها، وفبركاتها على شعبها أولاً، ثم على جيرانها، ثم على العالم الإسلامي، وحان الوقت ليرى العالم الوجه القبيح للسياسة الإيرانية والنهج الذي اتبعته منذ خروج الخميني وحتى اليوم.. نعم اليوم وبعد مرور عقود طويلة على ثورة إيران، اكتشفنا ومعنا العالم كله أننا كنا واهمين، أعجبتنا وجذبتنا القشرة الخارجية للثورة، وخاصة بعد احتكاكها بالولايات المتحدة الأمريكية، وأحداث السفارة الأمريكية في طهران، ثم محاولة تحرير الرهائن الفاشلة.. كان العالم المتعاطف مع إيران في ذلك الوقت يؤيد رجلاً يدعي التصدي لـ(الشيطان الأكبر) وما تبع تلك الأحداث من هيلمان سياسي، ودعايات.. الخ. أما الآن وبعد هذه السنوات الطويلة من الممارسات الإيرانية القبيحة فقد ظهر للعالم كله الحقيقة المخفيّة وهي أن إيران التي ترفع شعار الإسلام والدفاع عن المستضعفين، ما هي إلا دولة تطبق سياسات ضد الإسلام والمسلمين، ولا يهمها من قريب أو بعيد إلا مصلحة طائفتها الشيعية الضيقة ترفع إيران الشعارات الإسلامية، ومنها تحرير فلسطين، وتقدم بعض المساعدات للفلسطينيين، ليس إيماناً بعدالة القضية، وإنما تستخدمها إعلامياً، وسياسياً في خطابها مع العالم الإسلامي، لتقول ها أنا أدافع عن حقوق المسلمين وقضاياهم، وأقف ضد الغطرسة الأمريكية والإسرائيلية التي تريد الهيمنة على العالم الإسلامي.
ومع مرور السنوات الماضية سقطت ورقة التوت، وانكشفت العورة الإيرانية تماماً، كان يمكن للخبث والدهاء الفارسي ألا ينكشف، وأن يستمر في العمل، كما حدث في أفغانستان، وكما حدث ويحدث في لبنان، وكذلك في سوريا واليمن وغيرهما، ولكن الساحة العراقية كانت الكاشفة والفاضحة، بعد أن أصبح العرب والمسلمون، ومعهم العالم أجمع، يدركون حجم التورط الإيراني في مساعدة ورعاية الأحزاب والجماعات العراقية الشيعية، والأخطر من ذلك تكوين المليشيات الشيعية وتدريبها، وتزويدها بالسلاح، لقتل السنّة وتهميشهم، والانتقام منهم، أملاً في الوصول حلم (الهلال الشيعي).
كان المخدوعون بالحجج الإيرانية يرون أن الثورة في إيران تحتاج إلى وقت لتثبيت أقدامها، ويعتقدون أنها محاطة بمكائد كثيرة، خصوصاً من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن الشيعة لم تكن لهم دولة منذ نحو عشرة قرون، وهو ما يدعو لأن نفهم اندفاع بعضهم لإقامة دولتهم والإعلاء من شأن مذهبهم، ولكن حينما بطل السحر، اكتشفنا أن الثورة الإيرانية طائفية حتى النخاع، وأنها تضطهد السنة في إيران أشد أنواع الاضطهاد، أهل السنة في إيران على الرغم من عددهم الكبير نسبياً أكثر من (21) مليوناً من بين (72) مليوناً ليس بينهم وزير ولا سفير، ولا حتى محافظ، ولم يسمح إقامة مسجد لهم في طهران التي يعيش فيها أكثر من مليون من أهل السنة، وكانت إيران قد استشعرت اطمئناناً استراتيجياً بعد سقوط نظامي (طالبان) وصدام حسين، وسعت إلى تثبيت الوضع المستجد في العراق وإطلاق العنان لنفوذها من خلال التواصل مع كل الفئات، والجماعات الشيعية في المقدمة منها، وأصبحت الأجواء مؤاتية تماماً لأنشطة غُلاة الشيعة، الذين اعتبروا أنهم بصدد فرصة تاريخية ينبغي أن تستثمر ليس فقط لمصلحة المذهب وأهله، وإنما أيضاً لتصفية حسابات تاريخية حملها الشيعة في عقولهم ونفوسهم عقوداً طويلة ضد أهل السنة.. وما يؤكد حجم المخطط الإيراني المذهبي، تزايد النفوذ الإيراني في العراق، كما هو مشاهد ومرصود في أجهزة الإعلام العالمية، إلى حد أن بعض الجماعات في الجنوب أصبحت تعتمد اللغة الفارسية في معاملاتها، وإطلاق عبدالعزيز الحكيم دعوته إلى إقامة فيدرالية تضم تسع محافظات شيعية في الجنوب ترتكز فيها الثروة النفطية ونشاط حركة تهجير أهل السنة من تلك المحافظات، لتكون خالصة للشيعة دون غيرهم، كل ذلك فصول من مخطط (الهلال الشيعي) الذي تقوده إيران، بل إن الممارسات الإيرانية الطائفية المقيتة وصلت إلى أبعد من حدود العراق، حيث توالت الجهود الإيرانية المكثفة للتبشير بالمذهب الشيعي في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي، من جزر القمر، إلى تونس والجزائر، إضافة إلى أقطار القارة الإفريقية، ومختلف البلاد الآسيوية، وأصبحت هذه الحركات واقعاً معلوماً للجميع ومرصودة ومكشوفة.. وهذا يعني توجه الثورة الإيرانية إسلامياً في المظهر، لكنه قومياً فارسياً في الجوهر، جعل أولويته بث الطائفية العفنة والتدخل في شؤون الدول وزرع الفتن وبذور الشقاق.. وعلى الحكومة العراقية الجديدة أن تدرك وتعلم وتفهم أالأمس ليس اليوم وأنه لا بد من عراق عربي قوي بكافة طوائفه كما كان في خارطة الوطن العربي وعدم السماح للدخلاء وصناع الشر امتهان سيادته، والتحكم في مسيرته خاصة بعد انكشاف كل الأمور على حقيقتها، ولا أعتقد أن أي واحد عراقي شريف، نزيه، وطني، يخفى عليه ما تخطط له إيران منذ زمن، وأصبح الآن اللعب على المكشوف.
نسأل الله لعراقنا العربي العودة المظفرة وقهر الخونة والمفسدين، وأن نرى العراق خالياً من كل الشوائب التي تعكر صوفه، وأمنه، ومستقبله.