د. جمال الراوي
تجد أحدهم يبني عمارة؛ فيقوم بتكديس الرمل والإسمنت وأدوات البناء في الشارع المقابل لعمارته، وقد يقوم بسدّه بصورة كاملة، أو يسمح بفُسحة وممرٍ صغير للمارة، وإذا كان سخيّاً، فإنّه يجعل من الممرِّ واسعاً قليلاً؛ ليسمح بمرور السيارات، التي تجد صعوبة في اجتيازه بسبب تراكم الأخشاب والحديد، عدا عن تبعثّر المسامير التي تترصّدّ عجلات السيارات.
تعرّض معظمنا، لحالات «بنشر» في عجلات السيارة؛ بسبب دخول المسامير لإطاراتها لوجود عماراتٍ قيد البناء بالقرب من السكن، أو بسبب أعمال صيانة في الطرقات وغير ذلك، وهي حالات قد تُوقعنا في حرجٍ شديد لأنّها تحدث، أحيانًا، في ظروفٍ صعبة، كما أنّها قد تؤدي إلى حوادث مرورية خطيرة؛ في حال دخول مسمارٍ كبير في العجل الأمامي، فيُصاب بتلفٍ شديد؛ فينفجر الإطار بصورة مفاجئة، وقد يؤدي إلى انقلاب السيّارة، في طرقات السفر السريعة!!
تمرّ بسيارتك في شارعٍ ضيق، فتُفاجئ بشابيّن يجلسان في سيارتيهما المتعاكستين؛ يتبادلان الحديث فيما بينهما غير عابئين بالسيارات التي تصطفّ خلفهما؛ لتنتظر مكرُمةُ منهما للمرور بسيارتك، لأنّ أحدهما لا يكلّف نفسه الركون جانبًا والنزول للحديث مع صاحبه!!... وقد يصادفك صاحب سيارة أغلق الممر من خلفه، في إحدى مواقف السيارات؛ ينتظر سيارة أخرى تُريد مغادرة الموقف، حتى يركن سيارته مكانها، وقد يطول الانتظار أو يقْصر، وتجد نفسك مُجبراً على ذلك، لأنّ السائق وجد غنيمة يريد أنْ ينفرد بها لنفسه؛ لأنّ الأمكنة الفارغة لركن السيارات تبعُد بضعة أمتار، ولا يريد أنْ يكلّف نفسه مشقّة السير تلك المسافة.
تجد نفسك في حالةٍ من الزحام الشديد وسط السيارات في أحد الطرقات، فتصْبر مثل غيرك، وتقف في طابور الانتظار؛ فتُفاجئ بسياراتٍ أخرى؛ يرفض أصحابها هذا العدل في الانتظار، فيأتون عن يمينك وعن شمالك، يزحمونك ويُريدون أنْ يأخذوا مكانك، لأنّهم في عجلةٍ من أمرهم، لا لأنّ أمراً مهمّاً ينتظرهم، ولكنّهم يُريدون أنْ يكسبوا دقائق معدودة، لنْ تُفدهم في شيء!!... وهناك ظاهرة أخرى؛ نراها من بعض السائقين؛ الذين يقومون برمي الفضلات من خلال نوافذ سياراتهم، غير عابئين بنظافة مُدنهم، وغير مُدركين للأذى الذي قد تسبّبه للمارة أو للسيارات الأخرى!!
في أوروبا والغرب عموماً؛ تخلّصوا من هذه المظاهر المؤذية والسيئة، وأصبح أفراد مجتمعاتهم يحْرصون على حقوق بعضهم البعض؛ فتراهم أصحاب صبرٍ وجلد وتحمّل؛ لا يغيب عن بالهم أنّهم يعيشون داخل مجتمعٍ له واجباته؛ يحترمون بعضهم، ولا يحاولون الاعتداء على حقوق بعضهم؛ من أجل مكاسب شخصيّة وأنانية مقيتة، على عكس ما نحن عليه، وقد تجرّدنا، بملء إرادتنا، من بعض الخصائل الطيّبة!!
ورد في الحديث الشريف: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ)، وفي هذا الحديث إشارة بليغة على أنّ إماطة الطريق وإعطائه حقّه؛ أحد شُعب الإيمان... وعندما يكون حقّ الطريق؛ من أحد شُعب الإيمان، فهذا يدفعنا لإعادة النظر في كثيرٍ من أحوالنا!!