د. محمد عبدالله الخازم
لا أرى مبررًا لوجود معيارين علميين مختلفين لقبول الطلاب بكليات الطب -وقس عليها بقية التخصصات المهنية- واحد لمن يدفع وواحد لمن لا يدفع أو واحد يدرس بكلية حكومية وآخر يدرس بكلية أهلية. طالب لا يقبل في كلية علوم حكومية يمكنه دراسة الطب في كلية أهلية، وفي نهاية المطاف وجدنا أن خريجي بعض الكليات الأهلية الطبية لا يستطيعون تجاوز اختبارات الرخصة الطبية من قبل هيئة التخصصات الصحية، بل وصلت نسبة الرسوب لمخرجات كليات صحية وطبية أهلية أكثر من النصف. لم تكن نتيجة مستغربة، فالمدخلات متواضعة والتعليم بتلك الكليات متواضع كذلك، وليس هناك حساب أو عقاب لها، بل إنها تتخلَّى عن الطالب في مرحلة تطبيق الامتياز ليعود الطالب يضغط على الدولة مطالباً بمكافأة تدريس امتياز وباحثاً عن فرصة تدريب في مستشفى متقدِّم أسوة بغيره من الطلاب. ومن إبداعات الكليات وقبلها المعاهد الأهلية خلقت ممارسة يفترض أن تراجع هيئة التخصصات الصحية علاقتها بأخلاقيات الممارسة الصحية، تتمثَّل في دفع رسوم للمستشفى لكي يقوم بتدريب الطالب لديه. أليس في ذلك تعارض مصالح؟!
أقدِّر حماس أهل الشورى في دعم مطالب طلاب الكليات الأهلية بالضغط على الحكومة لتدفع لهم رواتب تدريبية مثل بقية طلاب الكليات الصحية الأهلية، لكنني أرجوهم المطالبة بإصلاح التعليم الطبي والصحي والمهني (من المهن) في الكليات الأهلية، التي وجدته مغرياً بسبب الإقبال الكبير عليه وبسبب رسومه الدراسية العالية وبسبب المنح الحكومية سابقاً.
أكرِّر مطالبتي السابقة بإيجاد حد أدنى لمعايير القبول في الطب وطب الأسنان والصيدلة وغيرها من التخصصات المهنية، تطبّق على الجميع، في قطاعي التعليم العالي الأهلي والحكومي على حد سواء. وذلك لغرض تحقيق العدالة من ناحية وضمان جودة المخرجات من ناحية أخرى، بحيث لا يصبح دخول المهنة معياره الأول القدرة على دفع رسوم دراسية ولكي نحصل على مخرجات تليق بالمهن. لو كانت مجالس عمداء الكليات فاعلة لطالبتهم بالعمل على هذا الموضوع، لكنني أخشى أن تكون مطالبة غير متحققة، بسبب محدودية الصلاحيات ولأسباب أخرى. قد تقرّر المعايير الدنيا لدخول التخصص (طب، صيدلة، طب أسنان، قانون ... إلخ) وفق ما هو متوفر أو إيجاد معايير واختبارات قبول متخصصة، إن أحتاج الأمر ...
أعلم أن هذا الطرح لا يعجب الجامعات والكليات الأهلية، لكن حقاً يجب أن تصل هذه المؤسسات مرحلة النضج الأكاديمي بعيداً عن الدعم الحكومي، بما في ذلك منافسة الجامعات الحكومية، لا باباً خلفياً لغير المؤهل. عندما يكون هناك معايير واضحة سنرى من سيفضّل كلية أهلية دون سواها!
أنا لا أخشى فقط على التعليم الجامعي الأهلي، ولا أضع الجميع في بوتقة واحدة، فهناك الاستثناءات الجيدة، بل أكتب للمستقبل؛ عندما نطالب الجامعات الحكومية بالاستقلالية في مواردها وتتجه لمنافسة القطاع الأهلي في استقطاب الطلاب. إما نبادر إلى وضع معايير علمية تطبّق على الجميع، أو نستعد للأسوأ عندما تقوم الجامعات بالحصول على رسوم دراسية، فتكون المادة معياراً للقبول. حينها لن نلوم أحداً وتجربة بعض برامج الدراسات العليا الموازية ماثلة أمامنا!