منذ شهور نتحدث أسبوعيًّا عن ذكرياتنا الثمينة التي بنيناها سوية خلال 5 أشهر أنا وصديقي العزيز د. فيصل خلف. ومن هنا جاءت فكرة مقال عن تجربتي في السعودية.
عندما كنت في باريس في ربيع العام الماضي وجدت فرصة للعمل في سفارة الجمهورية الفرنسية لدى المملكة العربية السعودية في الرياض، وكنت متشوقًا للسفر؛ فقد قرأت كثيرًا عن البلد وتاريخه وثقافته وعاداته وتقاليده.. وقبل رحلتي حلمت وفكرت كثيرًا كيف ستكون التجربة. بعض الفرنسيين الذين لا يعرفون شيئًا عن الشرق الأوسط والعالم العربي يتخيلون المملكة كمجتمع مغلق، وبلد جاف بدون روح إلا روح الإسلام أو روح النفط.
بكل صراحة، وعلى الرغم من أنني كنت أكثر دراية، حتى أنا لم أعرف أشياء كثيرة عن المملكة قبل زيارتها. عندما وصلت إلى مطار الملك خالد -رحمه الله- وخرجتُ منه شممتُ رائحة نجد للمرة الأولى, وشعرتُ كأنني منغمس في عالم جديد، وأمامي مغامرات مثيرة.
أكتب بوصفي مواطنًا أوروبيًّا وفرنسيًّا قبل كل شيء. أغلبية الأشخاص الذين قابلتهم أثناء إقامتي مواطنون ومقيمون من العديد من البلدان، وكان ذلك بفضل التواصل الاجتماعي، وبعد ذلك بمناسبة مؤتمرات وفعاليات كثيرة.
أجمل شيء اكتشفته في السعودية هم بعض الناس الملهمين والمخلصين الذين يحبون بلادهم, ويريدون أن تشع نورًا للعالم من قِلبها. وجدت شباب السعودية حالمًا ومتأملاً ومتحمسًا للحياة، للمعرفة، للفن، وخصوصًا إرادتهم لبناء عالم أفضل.
بعد أسبوعين من وصولي في حي السفارات التقيتُ بعض السعوديين الذين يستخدمون «سنابشات» و»انستقرام» لكسب العيش، ثم شاركوا حساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي مع متابعيهم، ومئات الشباب من كل الأنحاء، واتصلوا علي بشكل متكرر, وهكذا تعرفت على صديقي فيصل خلف، وجاء إلى «السفارات» لكي نتقابل، ونتحدث عن حياتنا ومجالات اهتماماتنا. تكلمنا عن الفن والموسيقى، وسألني فيصل إذا كنت أود زيارة مهرجان الفن «مسك آرت» في شمال الرياض.
زرت المهرجان الفني، وانبهرت من موهبة الفنانين السعوديين. أنا وهم مقتنعون بأن الإبداع والمشاركة سيكونان المحركَين المستقبليَّين للوطن. فوجئت بالتقدم الهائل الذي حققته المملكة من حيث التحول الرقمي مع التطبيقات الأكثر تطورًا بكثير مما كانت عليه في فرنسا. وبوصفنا فرنسيين وأوروبيين يجب أن نشعر بالغيرة من فعالية تطبيق مثل «أبشر» الذي سهّل حياة المواطنين السعوديين اليومية.
أجمل ذكرياتي هي من أكثر عناصر الثقافة السعودية أصالة، كالمجلس في البيت، أو المخيم، أو الاجتماع في المسجد، أو الصقور، أو مجرد التطعيس في الصحراء مستمعًا إلى الشيلات.
سأحتفظ بذكرى فريدة من الفكاهة العربية، ولن يجد أحد مثلاً أحسن من فيلم «مسامير» الذي شاهدته في السينما قبل بضعة أسابيع قبيل عودتي إلى فرنسا.
من جهة أخرى، اكتشفت روح السعودية في اللهجة، وفي الطعام مع الفول والكبدة في الصباح، أو الكبسة والمقلوبة والقهوة العربية مع التمور.
في أيام قليلة أصدقائي السعوديون ضموني من بينهم كأخيهم، وفتحوا لي أبوابهم، من بيوتهم وخيامهم. بعضهم شارك معي حبهم للأمة السعودية وأفكارهم الصادقة عن العروبة.
غادرت المملكة مع غزة في قلبي. ارتديت الثوب والشماغ بكل فخر, ومعي هدايا كثيرة وذكريات لا تعد ولا تنسى.