رجاء العتيبي
أظنه حدثاً تاريخياً في عالم الموارد البشرية, عندما وقع الرئيس الأمريكي السبت الماضي قراراً يعطي الأولوية للذين يملكون المهارة المطلوبة وليس الشهادات, وذلك في التوظيف في الحكومة الفيدرالية، حدث تاريخي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, لأن التعيين من خلال الشهادات ظل سنوات طويلة وما زال قائماً حتى هذه اللحظة دون تغيير, ولم يفكر أحد بأن يغير سوى الرئيس الأمريكي الذي اتخذ قراراً ووقعه أمس أمام وسائل الإعلام العالمي, ليفتح بذلك أفقاً جديداً في (التوظيف الحكومي) ينتصر لأصحاب المهارة على أصحاب الشهادة. إنها ضربة قاصمة للبيروقراطيات الحكومية التي لا تتغير إلا مع الصدمات الشديدة, وقرار ترمب صدمة وأي صدمة. حتى أن الترقيات في السلم الوظيفي يتم عن طريق الشهادات والدورات و(الأقدمية) حسب التعبير الوظيفي الدارج, وهذه طامة أكبر, لأنها أنتجت خللاً في منطق المخرجات والكفاءة.
ترمب بكل جرأة وإقدام وشجاعة، وبكل ما يملكه من نظرية مستقبلية واعدة وقع قراراً سيعيد ترتيب مفاهيم الموارد البشرية وترتيب أولوياتها, بل وضعها في موقف محرج، إما أن يتقدموا باتجاه المهارة وصناعة بيئة وظيفية منتجة, أو أنهم يبقون على (طمام المرحوم) باتجاه الأقدمية وحملة الشهادات والدورات.
إذا كان القطاع الخاص في أمريكا وغيرها من الدول قطع شوطاً طويلاً في تقديم المهارة على الشهادة, فلماذا يتمسك التوظيف الحكومي بالشهادة كل هذه المدة, لماذا يكون القطاع الخاص دائماً أكثر مرونة وأقدر على التماهي مع الجديد, ليس هناك مبررات لأن يبقى التوظيف الحكومي على ما هو عليه دون تغيير.
في بلادنا وقبل أيام حققت وزارة الثقافة انتصاراً عظيماً لمهن الثقافة والفنون بحيث أدرجتها ضمن التوصيف الوظيفي الرسمي في وزارة الموارد البشرية, بعد سنوات طويلة من التجاهل بفعل البيروقراطية وبعض الأيدولوجيات, فبات بإمكان الممثل, والفنان التشكيلي, والملحن, والمنتج, والناقد... إلخ, أن يكون موظفاً في المؤسسات الثقافية والفنية بنفس مسمى موهبته, وهذا ما لم يكن موجوداً في السابق.
السؤال هل تنتصر وزارة الثقافة لهذا المهن مرة أخرى, وتجعل التوظيف والترقيه في السلم الوظيفي بناء على (المهارة) وليس على (الشهادة), هل تسبق الزمن وتقرر ما قرره ترمب السبت الماضي.
لن يكتمل دعم وزارة الثقافة لمهن الثقافة والفنون الـ 83 التي نجحت في إدراجها ضمن التوصيف الوظيفي الرسمي, إلا بعد أن يكون التعيين والترقيات فيها معتمداً على المهارة وليس على الشهادة, وإذا أصدرت الوزارة قراراً بهذا المعنى تكون قد سبقت الكل, وبدأت من حيث انتهى الآخرون, وليس من المنطق أن تنتظر وزارة الثقافة سنين طويلة أخرى ثم تعتمد على المهارة في التوظيف في مجال معياره الرئيس المهارة والإبداع والتميز.
نتوقع أن تفعلها الوزارة, وهي التي عودتنا باستمرار على تحري الأجمل.