د. حسن بن فهد الهويمل
عرفت السياسة من خلال ما كتب عن اللعب، وقواعدها، و(إستراتيجياتها). مداخل السياسة متعدِّدة، وأقعرها رؤية مدخل اللُّعب. إنه الفاضحة.
الكتاب الذي هزَّ كياني (لعبة الأمم). والذي أرسى قواعدي، وثبت فؤادي كتاب (موسوعة قواعد اللعب السياسية). ومن بعده على ما أذكر (قواعد اللعبة)، ودعك من اللاعبين الأغبياء، والأذكياء، الذين كتبوا عن تجاربهم الخائبة كـ(وانتهت اللعبة).
والكتب الثلاثة الأولى يكمِّلُ بعضها بعضا، ولن أفصل القول عنها لبعد العهد بها، ولأنها هامش لا متن.
هذه البداية المربكة جعلتني أشعر بامتلاك مفاتيح الصناديق السود للسياسة. فكل معضلة سياسية وراءها لاعب ذكي، غير زكي، وتحت وطأتها أناس مختلفون في وعيهم، وقابليتهم، وقدراتهم.
أحداث السياسة لا يصلح لها إلا (قُرَّاءُ الكف) الذين يتنبؤون للمستقبل، لأن دعوى القراءة لعب على الذقون، وتحتمل كل التوقعات، بل هي زائفة مثل السياسة.
كما أن ظاهرة الإفراج عن (الملفات السرية) بعد عشرين، أو ثلاثين، أو خمسين عاماً دليل على أن للحدث ظاهراً مضلاً، وباطناً مُخِلاً، وأن المسألة لما تزل تسير في ركاب اللعب.
إذ دعوى الإفراج عن (الملفات السرية) داخل في اللعبة، أو هو لعبة مستقلة، فقد تُزَيِّف الحقائق، وما أكثر الوثائق المزوّرة، التي يراد منها تصنيم لاعب غبي، ليلعب دور المنقذ، أو تحطيم كفاءة وطنية، والتمهيد للعبة جديدة، تتطلب تصفية السمعة، أو تزويرها.
فعلى سبيل المثال نجد الناس مختلفين أشد الاختلاف حول علاقة (أمريكا) بـ(إيران) بوصفها من أعقد الظواهر، فمن قائل: بصفاء العلاقة بينهما، ومن قائل: بتوافق المصالح.
إيران تعيش أحلاماً طائشة، وأمريكا تعيش نهماً جشعاً. ولكل واحدة منهما مناهجها، وآلياتها لتحقيق المآرب.
الناس أمام هذه الملابسات المضطربة أوزاع، معجب بـ(أمريكا) يبرر، ويعذر، ويشرعن. وناقم عليها يُهَوِّل، ويدين، ويخوِّن. ومستخف يظن أن السلامة عادة، وأن المسألة لا تعدو الكسب المادي، والنفوذ السياسي، وحفظ التوازن بين القوى، وأن يبقى التفوق للكيان الصهيوني.
(أمريكا) دولة قوية مخيفة، وهي تنظر إلى الآخر على أنه عدو متربص. فهي الأكثر خوفاً من طرائدها، وبخاصة لو استعاد الشرق المفكك بعض عافيته، وأقدم على إعادة ترتيب أوراقه، وذلك مستبعد في ظل الغباء المعتق.
ذلك ما يخيف (أمريكا)، والأشد خوفاً ما يمكن تسميته بـ(ضربة العصر) التي قد تكون من عوامل تغيير قواعد اللعبة العالمية، والمتمثّلة بـ(صفقة الغاز) عام 2014م.
إنه تحالف خطير بين (الصين) و(روسيا) وفوق ذلك إذا نظرنا إلى اكتساح الاقتصاد الصيني لحسابات، وتوقعات أمريكا.
هذا التفوق يقلق (أمريكا)، ويخيف (الاتحاد الأوربي)، ويخلق أزمات مخيفة، قد تدفع بأمريكا لاتخاذ قرارات طائشة تضر بمنطقة الشرق الأوسط.
وليس بمستبعد أن تضحي بأصدقائها التقليديين، لتدارك الأمر، قبل الهزيمة الاقتصادية الساحقة، والوفاق العربي المتوقّع.
إن هناك (إستراتيجيات) تسير في ركاب اللعب، تمهد لها، وتبني حساباتها على معطياتها، سواء كانت اللعب سياسية، أو اقتصادية، أو عسكرية. وسواء كانت لتغيير خارطة العالم، أو لتغيير التركيبة السكانية، ودعم الطائفيات، والأقليات، أو لإنقاذ صنَّاع السلاح من الكساد، ودعم اقتصادهم.
نوايا، وغايات يشيب من هولها الوليد. والأغبياء يظنون أن الكبار يسعون للتمدين، والتحضّر، ومكافحة الجهل، والإرهاب.
كل الظواهر محسوبة بكل دقة، لا أحد خارج اللعبة، والكل يظنون أنهم خارجها، ولا أحد يعمل بإرادته الحرة، حتى صنَّاع اللعب، قد يمسهم منها عذاب شديد.
لعب كثيرة خرج منها الكبار، وهم في أشد حالات الاستياء، والندم، وذلك لحساباتهم الخاطئة، ولما خلَّفوه من قتل، ودمار، وتشتت لا مبرر له.
من اللعب أنهم أرادوا (للشاه) أن يكون شرطياً في المنطقة، يكفيهم تحرك الأساطيل، ومن ثم مكنوه من التسليح المطلق، وما كان في حسابهم أن تسقطه (المظاهرات) و(شرائط الكاسيت).
وحين سقط عملوا على تدمير القوة التي وقعت في أيد (أيديولوجية) حالمة حمقاء، لا تعرف من السياسة أبجدياتها.
لهذا سلَّحت (العراق) لتدمير ترسانة (إيران). وحين دمرها، امتلك قوة، وجيشاً أشد خطراً من (إيران).
ولما كان لا بد من تدميره، غررت به ليدخل (الكويت)، ثم لفقت تهمة (سلاح الدمار الشامل). وحين أنهكته، بل قضت عليه، أصبح لقمة سائغة للتوسع الطائفي، إنها اللعب التي لا تنتهي.
والناس فيها بين مصدِّق، ومكذِّب، ومُهَوِّلٍ، ومُهَوِّن، ولاعب، وملعوب به، وملعوب عليه.
اللعب السياسية في النهاية كـ(نار جهنم): {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا}. فعابر كلمح البصر، وعابر كالبرق، وماش، وزاحف، ومرتكس.
فالورود حتم، والنجاة احتمال.