د. محمد بن عبدالله آل عمرو
استخدم الرئيس الأمريكي عبارة «جو النعسان» الساخرة ضد منافسه في الانتخابات الرئاسية القادمة «جو بايدن»، ولكنني في هذا المقال لست بصدد التعليق على هذه العبارة الساخرة، وإنما أستعيرها لوصف حالة الناس والحالة العامة منذ بداية حظر التجول، فعلى الرغم من زخم الإرشادات التوعوية لإدارة الوقت في هذه الفترة وطرق الاستفادة منه، بما في ذلك إرشادات وزارة الصحة بضرورة النوم الكافي لتعزيز مناعة الجسم، وعلى الرغم من مبادرة جهات عدة بتنظيم عدد كبير من المناشط عن بعد، مثل الدورات التدريبية، والمحاضرات الأدبية، والفعاليات الثقافية ونحوها، وعلى الرغم من استغلال كثير من الناس لوقتهم أثناء الحظر في ممارسة هواياتهم المختلفة، القراءة، والكتابة، والمشاهدة، والألعاب الإلكترونية والتقليدية، وممارسة الرياضة المنزلية، إلا أن الملل قد طغى على الحالة النفسية لدى معظم الناس، فغشاهم الكسل والنعاس لعدم تعودهم على رتابة الحياة اليومية، وشعورهم بالحرمان من حرية التجول الذي اعتادوا عليه، وتوقف الزيارات العائلية، ومنع العمرة والصلاة في المساجد، ومنع اجتماعات الأفراح، والعزاء، فكأنما تحولت البيوت إلى سجون انفرادية إجبارية كئيبة، كثرت فيها حالات الضجر والتوتر والعنف الأسري، ولم يخفف من قسوة ذلك الشعور إلا إدراك الجميع بأن بقاءهم في منازلهم أضمن لصحتهم وصحة أحبابهم، وأنه أفضل بكثير من فقد غالٍ، ومن العزل المنفرد في المستشفيات، أو في مواقع الحجر الصحي.
ولم تقتصر حالة النعاس والكسل على البشر، وإنما تعدت إلى الحياة العامة خارج المنزل، فالاقتصاد العالمي برمته يعاني من حالة خمول وركود غير مسبوقة، فقد توقف الإنتاج والإيراد والتصدير والتسويق، وتوقفت السياحة، وعُلّقت رحلات الطيران والنقل العام، وتوقف التعليم والتدريب، وأُلغيت مواعيد المرضى المجدولة في المستشفيات والمراكز الطبية، وامتنعت المستشفيات عن استقبال الحالات المرضية غير الطارئة، ومن هول الصدمة القوية المفاجئة غير المسبوقة، يشعر المتأمل في ذهول كأنه يعيش على كوكب آخر، ويحيى حياة أخرى ملؤها النوم والكسل واللا مبالاة بقيمة الوقت، متحللاً من أي واجبات وظيفية، أو اجتماعية، مما لم يعهده من قبل.
وما يزيد المرء حيرة وذهولاً أن لا أحد - غير الله - يعلم متى يُقضى على فايروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وتعود الحياة إلى طبيعتها التي كانت عليها قبل انتشار الفايروس، من غير احترازات وقائية من العدوى، فالبيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية حول تحور الفايروس قوةً وضعفاً واكتشاف لقاح وأدوية له، والتحذير من موجات جديدة للانتشار، وطمأنة العالم حول فرص القضاء عليه، لا تخلو من التناقض والارتباك.
وبعد مرور نحو ثلاثة أشهر من بدء الاحترازات الوقائية التي شملت منع التجول الجزئي والكلي أحياناً والإغلاق الكامل أو شبه الكامل لمقرات العمل في القطاعات العامة والخاصة، وتعليق الدراسة في المدارس والجامعات، تقرّر في المملكة العربية السعودية العودة للحياة الطبيعية اعتباراً من يوم الأحد 29 شوال 1441هـ، ولكن بحذر شديد يتطلب قدراً كبيراً من المسؤولية الفردية والجماعية للالتزام بالاحترازات الوقائية التي نجحت وزارة الصحة في تبليغها للمجتمع عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي إلى الحد الذي رفع مستوى الوعي بأهميتها، وخطورة عدم الالتزام بها، مع المراقبة المشددة من قبل وزارة الصحة لمتابعة حالة انتشار الفايروس.
وقد اتخذت الحكومة هذا القرار بعد حملة الإجراءات الضخمة التي اتخذتها للحد من تفشي الجائحة، حتى لا تتعطّل مصالح المجتمع وتتضاعف الخسائر الاقتصادية ما قد يؤدي إلى أضرار ومفاسد صحية واجتماعية واقتصادية وأمنية أكبر، وهي بذلك تضع كل مواطن ومقيم بمفرده أمام مسؤولياته في حماية نفسه وأهله وكل من يخالطهم، فالفايروس ما زال موجوداً يتربص بكل من يستهين بوجوده وقدرته على سرعة الانتشار، وإن من أشد ما يُحذِّر منه في المرحلة القادمة هو التجمعات لغير الضرورة القصوى، وتزداد الخطورة كلما زادت أعداد المجتمعين، وكلما أُهمل الالتزام بالتباعد الاجتماعي، وبغسل اليدين باستمرار، وبلبس الكمامة عند المخالطة، وبغيرها من الاحترازات الوقائية.
وبهذه المناسبة أتوجه بعظيم الشكر والامتنان والتقدير لمقام خادم الحرمين الشريفين ولمقام سمو ولي العهد الأمين، ولحكومة خادم الحرمين الشريفين ممثلةً في وزارة الصحة، ووزارتا الداخلية والحرس الوطني، وكافة الوزارات والجهات المساندة لها على الجهود غير العادية التي وجه خادم الحرمين -حفظه الله- باتخاذها لحماية المواطن والمقيم من غائلة هذا الفايروس الأَشِر، والشكر موصول لكل مواطن ومقيم تأدب مع نعمة «الإنسانُ أولاً» التي جسدتها جهود الدولة فالتزم بالاحترازات الوقائية، وأسهم في تقليل الإصابات، والوصول إلى نهاية مرحلة «جو النعسان».