أ.د.عثمان بن صالح العامر
بعيداً عن المهاترات الصبيانية الحزبية، والمزايدات السياسية الهزيلة، فإن أي عاقل منصف حتى لو لم يكن مسلماً، يدرك جزماً أن فتح باب الحج على مصراعيه هذا العام 1441هـ 2020م ليفد إلى المشاعر المقدسة ثلاثة ملايين مسلم أو يزيد، يقفون على صعيد واحد وفي وقت محدد في ظل هذا الظرف الصحي العالمي الصعب (جائحة فيروس كورونا) يعد خطأ فادحاً، ومخاطرة حقيقية بأرواح الحجاج مختلفي الظروف الصحية، والخلفيات الثقافية، الفكرية، والأحوال الاقتصادية والنفسية، لما سيترتب على هذا الفعل من نتائج وخيمة لا تخفى على أحد. وفي الوقت ذاته لم ير قادة بلادنا - حفظهم الله ورعاهم وسدد دوماً على الخير خطاهم - أن من المناسب عدم إقامة هذه الشعيرة العظيمة في هذا العام بالكلية، فكان الحل المثالي بحق الذي أخذت به حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية الجمع بين مصلحتين (عدم تعطيل فريضة الحج، وفي ذات الوقت تحقق حفظ النفس وضمان سلامة الأرواح) وذلك بإتاحة الحج لعدد محدود جداً ومن مختلف الجنسيات.
هنا ثارت ثائرة المتربصين بنا الدوائر، ظناً منهم أنها فرصة سانحة مواتية للنيل من سيادتنا، وهز الثقة بزعامتنا، وما علموا أنهم لم يحركوا شعرة منا، ولن تنطلي أكاذيبهم وأراجيفهم وأقاويلهم على ذي لب وصاحب عقل متزن واع، فضلاً عن عارف بطبيعة الدين الإسلامي، مدرك المقاصد الخمس التي جاءت الشريعة الإسلامية لحفظها وحمايتها وأولها (النفس)، ثم إن الحج خلاف بقية أركان الإسلام الخمس مربوط بالاستطاعة المالية والبدنية معاً، فالصلاة عبادة بدنية وكذا الصوم، والزكاة مالية صرفة، أما الحج فمتى وجد ما يمنع ويحول دون القيام به أياً كان هذا المانع فلا شيء على المسلم في هذه الحال. والواجب الحج مرة بالعمر فقط، خلاف الصلاة خمس مرات باليوم، والصيام واجب شهر رمضان كل عام، والزكاة هي الأخرى واجبة إذا حال الحول وبلغ المال النصاب، فهل بعد كل هذا مجال للقيل والقال أيها المرجفون الباحثون عن كل ما من شأنه جرنا لمعارك جانبيه لن يصطلي بلظاها إلا أنتم عشاق الفتنة أصحاب التدليس والتبليس، أما نحن فالطمأنينة تملأ قلوبنا لأننا نعرف أن هذا هو الحق المبين، وثقتنا كبيرة وعظيمة ومطلقة ومتجذرة وراسخة ومستقرة بين الحنايا وسط الصدور في سويداء القلوب حتى يرث الله ومن عليها.. نعم ثقتنا عظيمة بالله أولاً ثم بعقيدتنا ومبادئنا وقيمنا التي نحن عليها ثانياً ثم بقيادتنا - مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد الأمين - وعلمائنا، ولذا عليكم باختصار الرحيل بعيداً عن حمى بلادنا الغالية فحصوننا منيعة وثغورنا محفوظة بحفظ الله لها أولاً ثم بوجود قيادة عازمة حازمة ومن خلفها شعب محب وفي مخلص، وإن كان بكم بقية عقل فخذوا العظة ممن سبقكم، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.