عبده الأسمري
زرع «الإحسان» في حياته فجنى «العرفان» بعد مماته.. تيمّن بالحسنى فأسكن «المعروف» في قلب «الإغاثة».. وثمّن «المحاسن» في ميزان «الإعانة» فكان سيد قومه وسديد عشيرته.. ارتهن لصدقات «الستر» وركعات «الوتر» فاقترنت الدعوات بذكره من عمق السر إلى أفق «العلانية»..
سليل «فضل» وأصيل «نبل».. دخل «الاقتصاد» من ثغرات «الصعوبات»، ومارس «التجارة» على «أرضية» البدايات.. فاقتطف ثمار «الأولويات»، وقطف اعتبار «المهمات» عاشقًا تراث طيبة الطيبة.. متيمًا بإرث يثرب.. شغوفًا بثرى «المدينة النبوية».
إنه رجل الأعمال عبدالستار الميمني - رحمه الله - أحد أبرز التجار السعوديين الذين رسموا «الخارطة» الاقتصادية بحبر «الصبر»، وجبر «العبر»، صاحب الاسم العريق في مجال الصناعة والبيوت التجارية.
بوجه مديني، تملؤه «السكينة»، وتحفه «الطمأنينة»، ويعلوه «الجد والود»، مع تقاسيم «زهد» تسكن محيا عامرًا بالحنان، غامرًا بالعطف.. مع تقاسيم تشبه والده، وتتشابه مع والدته، وكاريزما ترفل بالنقاء والصفاء.. وعينَين لماحتَين، تنبعان بعبرات «الرفق»، وتنضخان باعتبارات «اللين»، مع صوت جهوري خليط من اللهجة المدينية اللطيفة، تتقاطر منها «شواهد دينية»، وتتوارد فيها «استشهادات حياتية»، وعبارات «التجارة»، ومعبرات «الشطارة»، مع لغة تستند إلى الخبرة المالية، وتتعامد على الخلفية الاقتصادية مشفوعة بمعاني «التوجيه»، مسجوعة بمعالم «الخير»، قضى الميمني من عمره عقودًا وهو يؤصل الاقتصاد القويم، ويؤسس السداد المستديم لأهل مدينته ومعارفه وأسرته، ويضع للوطن «خبرة» منتقاة، و»خيرة» مستوفاة، قوامها «العلم»، واستقامتها «المعرفة»، كللها برياحين «الخيرات»، وجللها بمضامين «الحسنات»، وأكملها في ميادين «الإنجازات» كاسم لمع في سماء الطفرة، ووسم برق من ضياء الفطرة.
في طيبة الطيبة وُلد وتعتقت روحه بأنفاس «السكينة»، وتشربت نفسه «نفائس» الطمأنينة فكبر وفي قلبه «سر» الروحانية، ونما وفي عقله «جهر» العصامية.
ركض الميمني في حي الحماطة مع أقرانه من بيوت التركي والعقيل والصهيل، وتجرع اليتم طفلاً بعد وفاة والده فتربى في كنف «والدته الكريمة» عزة التي علمته الاعتزاز بالذات، والعزة بالصفات؛ فملأت له «فراغات» الفقد، وردمت له فجوات الفاجعة، وأسبغت عليه بالدعاء والعطاء فانخطف إلى «يقين» الانسياق إلى التفوق الدراسي، و»تيقن» الاشتياق إلى النجاح العلمي؛ فالتحق بمدرسة العلوم الشرعية، وواصل الدراسة الابتدائية عام 1356هـ.
ارتبط الميمني بالمسجد النبوي مبكرًا، وتروحن مع عبير معارف الشرع وأثير مشارف اللغة؛ فانتظم في حلقات التعليم، وملأ وجدانه بحصيلة فاخرة من الثقافة.
اشتغل الميمني في بداياته مع زوج خالته المرحوم محمود حطاب في السقاية بالحرم المدني بأجرة شهرية مقدارها ريال، وكان «وجهًا» مألوفًا، وركنًا من أركان الضيافة والحصافة؛ إذ امتهن سقيا الراكعين والعاكفين والركع السجود في المسجد، وارتبط صغيرًا بإناء «الدورق» الذي كان يسقي منه المدينيين ماء زمزم، للحجاج والمعتمرين.
وبعد فترة انتقل الميمني للعمل في الخطوط السعودية بجدة، وكانت والدته متعلقة به، ورفضت خروجه من المدينة؛ فاشترك بعدها مع مصطفى زيتوني في مشروع بقالة بجوار مسجد السيدة فاطمة. وبعد سنوات، وفي عام 1372 هـ، فتح له دكانًا خاصًّا لبيع الأدوات المنزلية في باب المجيدي، واعتمرت ذهنه أفكار متجددة لتوسعة نشاطه؛ إذ حصل عام 1375 هـ على سجل تجاري، يحمل رقم 8 على مستوى المملكة مؤسسًا مجموعة الميمني القابضة، وفتح أول حساب في البنك الأهلي الذي يحمل رقم (1)، وفي عام 1398 أنشأ الميمني أول مصنع في المدينة لإنتاج الطوب الأحمر الفخاري، ثم توسع في نشاطه وفتح مصانع الصوف الصخري، ومياه الدورق، والمدينة المنورة للتمور، وأسس شركة الجبس العالمية، والشركة المتحدة لصناعة الإسفنج بالأحساء، ومصنع المدينة لصناعة الإسفنج، وغيرها من المشاريع الإنتاجية بمناطق عدة، وأسهم في شركات ومشاريع صناعية عدة بمدن عدة، وكذلك أسهم في تأسيس شركات عدة، وأسس مع زملائه الغرفة التجارية الصناعية بالمدينة المنورة، ونال عضوية مجلس إداراتها لمدة خمس دورات.
وله عشرات المشاركات والبصمات والإمضاءات في الشأن التجاري والاقتصادي في الداخل والخارج.
انتقل عبدالستار الميمني إلى رحمة الله في فبراير 2009 بعد سيرة حافلة بالسمو الإنساني، محتفلة بالرقي البشري، مخلفًا لأبنائه «خزانة» من الوصايا في خدمة المدينة وأهلها، والمضي في العمل الخيري وإعانة الفقير، وإغاثة الملهوف، ومساعدة المسكين، ومساندة المريض، ونشر المعرفة، ودعم الإبداع.. فكان «إرثه» رصيد «خيرات»، سديدًا بالأخلاق، ومديدًا بالإنفاق؛ ليظل «أنموذجًا» للتاجر الإنسان مخلدًا مآثره في قوائم «الوفاء»، مسطرًا أثره في سجلات «الاستيفاء».